17/12/2011
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله،
شيخنا: إني شاب أعاني من عدم التوفيق في أي ناحية من نواحي حياتي، ومصاب بأمراض عجز الأطباء عن تشخيصها، مع أني ملتزم والحمد لله وصاحب خلق، ولا يزكي النفوس إلا الله، حتى أنني لم أجد فرصة عمل بعد تخرجي منذ سنوات من كلية الهندسة، وأنا لا أؤمن بمسائل السحر والحسد وغيرها..
فما نصيحتكم لي؟ -أعلى الله مقامكم-
الاسم: الراجي رحمة ربه (محمد)
الرد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
أبدأ جوابي من قولك بأنك لا تؤمن بالسحر والحسد فأسألك -باعتبارك مسلماً- كيف تبرر نفيك لهما وقد ذُكرا مراراً في أهم مصدرين للدين، أي: كتاب الله تبارك وتعالى وأحاديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، ومن ذلك قول الله عز وجل في السحر: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} البقرة 102، وقوله تعالى: {قَالَ أَلْقُواْ فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاؤُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ} الأعراف 116، وقوله سبحانه في الحسد: {وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} البقرة 109، وكذلك قوله عز وجل: {وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} الفلق 5، ومن أحاديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم في السحر: (إجتنبوا السبع الموبقات، قيل يا رسول الله وما هن؟ قال الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات) متفق عليه، وفي الحسد قوله عليه الصلاة والسلام: (العين حق، ويحضرها الشيطان وحسد ابن آدم) -العين حق– رواه الإمام البخاري، والزيادة رواها الإمام أحمد رحمهما الله تعالى.
أما عن شكواك وقولك أنك تعاني من عدم التوفيق في كل نواحي حياتك فأرى فيه مبالغة بل إجحافاً في حق نعم الله تعالى وأفضاله عليك، فلو نظرت حولك لرأيت الكثير ممن ابتلوا بأنواع البلايا ثم تجدهم بعد ذلك صابرين بل شاكرين، فلا تنس يا رعاك الله تعالى فضله سبحانه أن وفقك للاستقامة وأكرمك بخُلُق كما ذكرت، ويسر لك نيل شهادة مهمة وهي الهندسة، ونعم أخرى قد لا نكون مطلعين عليها.
أمّا ما تعانيه من مرض فنسأل الله جل جلاله أن يمنَّ عليك بالصحة والعافية، ولكن عليك أن لا تيأس من الشفاء، فالعلم والطب لا ينحصران في الأطباء الذين راجعتهم، ولا تنس الشطر الثاني من أسباب الشفاء وهو الدعاء والرقية الشرعية تقوم بها أو من تتوسم فيهم العلم والصلاح، وكذلك كثرة الاستغفار والصلاة والسلام على النبي المختار صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.
أما عن عملك فيجب عليك الجدّ في البحث عنه، ولكن لا تقيد نفسك بشروط معينة للعمل، فإذا لم تجد وظيفة في اختصاصك فلا بأس بأن تقبل بأي عمل بسيط يدر عليك دخلاً متواضعاً تشكر الله تعالى عليه، ففي الشكر مفاتيح للرزق المبارك، قال عز وجل: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} إبراهيم –عليه السلام- 7، ولك في القصة التي رواها لي أحدُ الثِقات عبرة لمثابرة الإنسان وصبره إذ يقول: (كنّا قد أسسنا شركة صناعية في عام 1980، واستأجرنا لذلك مكتباً نديرها من خلاله، وبما أننا مبتدؤون فلم نوظف أحداً بدوام كامل، فقد كان لنا فرّاش يعمل بدوام مسائي مقابل ثلاثين ديناراً شهرياً، ثم بعد مدة وعندما بدأ المشروع بالعمل واحتجنا إلى مهندس ميكانيكي فإذا بالفراش يعرض خدماته علينا، فلما استغربنا كونه مهندساً وللتأكد من ذلك عرض هوية نقابة المهندسين الصادرة من بلده وأخرى عراقية، ولما استغربنا كونه يعمل فراشاً قال: إني أعمل في الصباح مهندساً في شركة صناعية، وفي المساء أبيت في غرفة أقتسمها مع أربعة آخرين، وأدفع لأجل ذلك عشرة دنانير شهرياً، فلما عرض عليّ العمل كفراش رأيت ذلك مناسباً، إذ سأسكن في غرفة نظيفة لوحدي ولا أدفع شيئاً، بل أستلم ثلاثين ديناراً شهرياً، فقمنا بنقله إلى المعمل وتغيير وظيفته من فراش إلى مهندس، وطبعاً عدلنا راتبه وميزاته تبعاً لذلك). فضع ثقتك بالله سبحانه وتعالى، وتذكر أنك في دار الابتلاء، وهي في عين الوقت دار الأسباب.
وأرجو مراجعة جواب السؤال رقم 546.
والله سبحانه وتعالى أعلم.