22/12/2011

السؤال:

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

نحن نقرأ عن حياة الآخرة وخلدها ونعيمها وعذابها والعياذ بالله، وعن حياة الجنين وحياة الدنيا، وتقريباً الصورة واضحة، ولكن نسأل شيخنا الجليل أنْ يبين لنا مرحلة حياة البرزخ وهل يوجد كتاب عن حياة البرزخ تنصح بقراءته؟

 

الاسم: محمد أبو أسامة

 

الرد:-

وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته.

البرزخ لغة: الفاصل أو الحاجز بين شيئين، قال عزّ من قائل:-

{وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَّحْجُورًا} [سورة الفرقان: 53].

وهو جزء من الحياة الآخرة يبدأ من دخول القبر إلى قيام الساعة، قال عزّ وجلّ:- {— وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [سورة المؤمنون: 100].

وصفة الحياة فيه تختلف عنها في الدنيا، فالإنسان يمرّ بأنواع من الحياة بدءًا من رحم أمّه ومرورًا بالحياة الدنيا وانتهاءًا بقبره، ولا يمكن قياس أيّ من هذه الفترات على الأخرى فقد جعل الخالق جلّ جلاله في كلّ حياة أسبابها، فالجنين يعيش في رحم أمّه غارقًا في المياه يتغذّى دون أنْ يفتح فمه، ويدخل إليه الأوكسجين من حبل مربوط بأمّه، ثمّ في اللحظة التي يخرج فيها إلى عالمنا تنقلب خصائصه، فإنْ وضعته في الماء يموت، وكذلك إنْ لم تطعمه من فمه أو قطعت عنه الهواء، فمن يعرف هذه الحقائق لا ينبغي أنْ يقول مستفهمًا: كيف نصدق بوجود أنواع العذاب الموصوف في القرآن الكريم والسنّة المطهّرة ونحن لا نرى أثر ذلك إذا ما فتحنا قبر أشقى المشركين؟ ولا نرى أثرًا للنعيم الذي يتمتع به الصالحون في قبورهم؟

والجواب: أنّ الإنسان متى دخل القبر انتقل إلى عالم آخر له قوانينه وخصائصه، وما يفعل به مغيّب عنّا، إذ لا عبرة في الإيمان إذا انكشف الغيب للناس، هذا الإيمان الذي ذكره الله سبحانه في خصائص المتقين فقال جلّ ذكره:-

{الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [سورة البقرة: 1-5].

وأيضا ورد أن البشر بشكل عام لا يطيقون ما يجري من أحوال في تلك المرحلة، وبيانًا لهذا قال سيّدنا رسول الله صلّى الله تعالى وسلّم عليه وآله وصحبه ومَنْ والاه:-

(الْعَبْدُ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ، وَتُوُلِّي وَذَهَبَ أَصْحَابُهُ حَتَّى إِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ، أَتَاهُ مَلَكَانِ فَأَقْعَدَاهُ فَيَقُولاَنِ لَهُ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ مُحَمَّدٍ صّلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ. فَيُقَالُ: انْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ مِنَ النَّارِ، أَبْدَلَكَ اللَّهُ بِهِ مَقْعَدًا مِنَ الْجَنَّةِ. قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَيَرَاهُمَا جَمِيعًا – وَأَمَّا الْكَافِرُ – أَوِ الْمُنَافِقُ – فَيَقُولُ: لاَ أَدْرِي، كُنْتُ أَقُولُ مَا يَقُولُ النَّاسُ. فَيُقَالُ: لاَ دَرَيْتَ وَلاَ تَلَيْتَ. ثُمَّ يُضْرَبُ بِمِطْرَقَةٍ مِنْ حَدِيدٍ ضَرْبَةً بَيْنَ أُذُنَيْهِ، فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَنْ يَلِيهِ إِلاَّ الثَّقَلَيْنِ) الإمام البخاري رحمه الباري سبحانه.

وإذا أحببت الاستزادة فأنصحك بمراجعة كتاب (التذكرة في أمور الموتى وأحوال الآخرة) للإمام القرطبي رحمه الله عزّ وجلّ، وكتاب (شرح الصدور بشرح حال الموتى وأهل القبور) للإمام السيوطي رحمه الله جلّ وعلا، ومن الكتب المعاصرة كتاب (حياة البرزخ في الفكر الإسلامي) للدكتور مراد البرع الجنابي حفظه الله جلّ جلاله.

والله جلّت قدرته أعلم.

وصلّى الله تعالى وسلّم وبارك على سيّدنا محمّد، وعلى آله وصحبه أهل الفضل والمجد.