2012/03/02

السؤال:

حضرة شيخنا الفاضل أدامكم الله تعالى ورعاكم، السلام عليكم يرد أحياناً فيما يروى عن بعض مشايخنا إنه رأى أو التقى سيدنا الخضر عليه السلام فهل يتطابق هذا الرأي مع رأي الشيعه الإمامية في المهدي المنتظر بوجوده حياً وشكراً.

الاسم: محمد هادي

الرد:

وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته، جزاك الله تعالى خيراً على دعآئك ولك بمثله،

للإجابة على سؤالك أحب أن أؤكد على فتوى سابقة لي أصدرتها في بغداد، وأكّدتها عند بداية الإحتلال من خلال إحدى خطب الجمعة في جامعي  المسمّى (جامع سيدنا الإمام مالك بن أنس رحمه الله تعالى) وأنشرها عبر هذا المنبر المبارك الذي أسأل الله تعالى أن يجعلهُ سبباً لجمع القلوب على محبة الخير لكل الناس ومورداً صافياً لمن يبحث عن الحق ويطلب النجاة في الدنيا والآخرة، ومضمون تلك الفتوى أني حرّمت على المسلمين أن يتسمّوا بأسمآء بديلة عن الإسم الذي ارتضاهُ ربهم العظيم جل جلاله وعم نواله لهم وهو (المسلمون) فقال سبحانه عن لسان سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} البقرة 128. وقال سبحانه {…مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ…} الحج 78. وقال سيدنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلم في دعآء له (…اللَّهُمَّ تَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ، وَأَحْيِنَا مُسْلِمِينَ، وَأَلْحِقْنَا بِالصَّالِحِينَ، غَيْرَ خَزَايَا وَلا مَفْتُونِينَ…) الأئمة البخاري وأحمد والنسآئي رحمهم الله تعالى. ولكن للأسف إستبدل بعضهم هذا الإسم العظيم بأسمآء أخرى مثل (سنة و شيعة، صوفية وسلفية، أو الحزب الفلاني والفلاني)، والصحيح أن يبقوا أمة واحدة كما قال الله سبحانه وتعالى {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} الأنبيآء –عليهم السلام – 92. وأنا اليوم ملتزم بهذه الفتوى فإن كانت صواباً فمن الله عز وجل وإن كانت غير ذلك فمن نفسي وأستغفر الله تعالى منه. ولكن هذا لا يعني أني لا أقرّ المذاهب والإجتهادات التي وجدت منذ عصر السعادة أي في صدر الإسلام والتي كان تنوعها عنصر قوة وإغنآء لا تفريق وتناحر كما يحدث الآن. إذ وصل هذا الخلاف –مع الأسف- إلى الحد الذي يشهر المسلم سلاحهُ في وجه أخيهِ المسلم معرضاً عن قول بل تحذير نبيه الأعظم صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم إذ قال (إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا، فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا الْقَاتِلُ، فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ؟ قَالَ: إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ) متفق عليه.

أمّا بالنسبة لسؤالك فقد اختلفت آرآء العلمآء رحمهم الله تعالى في حياة سيدنا الخضر عليه السلام، فمنهم من قال إنه حي ومنهم من قال إنه ميت ولكل أدلته في ذلك. ولكن لا يعني هذا أن الذي يقول باستمرار حياته يتطابق مع رأي الإمامية في سيدنا المهدي رضي الله تعالى عنه، وقد أجبت عن سؤال سابق حول هذا الموضوع تحت رقم (739) فأرجو مراجعته، فإنّ تشابُه أو تطابُق بعض الصفات لا يستوجب بالضرورة التشابه في المضمون أو الجوهر، فهناك أحكام جرت على أمم على مر العصور تتشابه في الشكل وتختلف في الجوهر وقد تتفق شكلاً وجوهراً فيأمر به الشرع الشريف فالمدار هو على اعتبار الشارع،،، فالله تعالى ذكر في كتابه العزيز بعض الأحكام التي أجراها على الأمم التي سبقتنا فقال عز وجل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} البقرة 138. وقال سبحانه {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ} الأنبيآء –عليهم السلام- 73. ونحن نعلم أن الصلاة والصيام والزكاة المذكورة في الآيات المتلوات آنفاً تختلف عن التي أُمرنا بها من حيث الكيفية، بل إن هذه العبادات وحتى الدعوة إلى الزهد في زخرف الحياة الدنيا موجودة في بعض الأديان غير السماوية مع التأكيد على الإختلاف والتباين في الجوهر والهدف مع مثيلاتها في دين الإسلام، فكما أننا لا نستطيع أن نتنصل من هذه التكاليف بحجة وجودها في الأديان الباطلة أو المنسوخة فلا يمكن كذلك نفي واستبعاد حياة الخضر عليه السلام بحجة وجود نظرية حياة سيدنا المهدي رضي الله تعالى عنه. مع التذكير بأننا لا نرجّح أيّا من الرأيين القآئل بحياته أوالنافي لها، وكذلك لا نستبعد طبقاً لعقيدتنا أن يمدّ الله تعالى في عمر أيّ كآئن حي آلاف السنين، فقدرة الخالق تبارك وتعالى لاحدّ لها، فنحن نؤمن بخروج الدجّال بل هناك من الشواهد ما يدل على وجوده منذ ما لا يقل عن ألف وأربعمآئة سنة لورود حديث سيدنا تميم الداري رضي الله تعالى عنه والمذكور في جواب السؤال رقم (103). ولكن علينا قبل تناول هذه الأمور أن نسأل أنفسنا: ماذا سيضيف هذا الموضوع لديننا ولرسالتنا في الحياة؟ وهل يدخل علمنا بحياته أو مماته فيما كلفنا به خالقنا عز وجل ونُسأل عنه يوم الحساب؟ وهذا الشيء ينطبق على كثير من المواضيع التي يثيرها بعض الأخوة سؤالاً وبحثاً في الوقت الذي تزداد مسؤولياتنا بصفتنا مسلمين والحمد لله رب العالمين بزيادة الظروف التي تحيط بأمتنا صعوبة وكثرة تكالب الأمم عليها كما أخبر سيدنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلم في قوله (يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ الأُمَمُ مِنْ كُلِّ أُفُقٍ كَمَا تَتَدَاعَى الأَكَلَةُ عَلَى قَصْعَتِهَا، قُلْنَا: مِنْ قِلَّةٍ بِنَا يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: لا، أَنْتُم يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، يَنْزَعُ اللَّهُ الْمَهَابَةَ مِنْ قُلُوبِ عَدُوِّكُمْ وَيَجْعَلُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهَنَ، قِيلَ: وَمَا الْوَهَنُ؟ قَالَ: حُبُّ الْحَيَاةِ وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ) الأئمة أحمد وأبو داود والبيهقي وآخرون رحمهم الله تعالى.

ومسك الختام توجيه لطيف جميل من سيدي حضرة الشيخ عبدالله الهرشمي طيب الله تعالى روحه وذكره وثراه سمعته من فضيلة الشيخ عبد السلام أحمد البكر وفقه الله تعالى لكل خير إذ طلب منه أحد الشباب أن يسأل الشيخ عن حياة سيدنا الخضر عليه السلام فأجاب بحديث سيدنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلم (من حُسنِ إسلامِ المرء تركُهُ مالا يعنيه) الأئمة أحمد وابن ماجة والترمذي والحاكم وآخرون رحمهم الله تعالى.

والله سبحانه وتعالى أعلم.