27/4/2011

السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

س: بعد الرفع من الركوع وقول (سمع الله لمن حمده) قال أحد المأمومين (ربنا ولك الحمد والشكر) فأنكر عليه أحد الإخوة زيادة (والشكر) لأنّها لم ترد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم ولا عن صحابته ولا عن السلف رحمهم الله…

نرجو منكم توضيح وبيان الحكم الشرعي في هذه المسألة.

وجزاكم الله خيراً

 

الاسم: محب

 

الرد:-

وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته.

زيادة لفظ (والشكر)على الذكر المأثور بعد الرفع من الركوع هو من الأقوال المُحْدَثة، وتسمى لغة (بدعة)، ومعناها إحداث شيء ليس له مثال سابق، كما قال تعالى:-

{بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [سورة البقرة: 117].

فخلقهن دون مثال، ومن هنا فالفعل المُحْدَث -وإن سميّ بدعة لغة- فإنّه قد يكون مشروعاً محموداً، وقد يكون غير مشروع مذموماً، وهو البدعة السيئة أو الضلالة التي خصّها سيّدنا رسول الله صلّى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلّم في أحاديث التحذير من البدع، فما كان له أصل في كتاب الله عزّ وجلّ وسنّة سيّدنا رسول الله المبجّل عليه الصلاة والسلام وآله وصحبه الكُمَّل، أو في الإجماع، أو القياس، أو يندرج تحت القواعد أو الأدلة الشرعية، أو من قبيل الطلب العام، كان الفعل مشروعاً وليس بدعة، وإنْ لم يفعله سيّدنا رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه وآله وصحبه ومَنْ والاه، أو أصحابه الكرام رضي الله تعالى عنهم وعنكم.

فإطلاق لفظ البدعة بالمعنى الشرعي -أي (الضلالة)- على كلّ فعل مُحدَث لم يفعله سيّدنا رسول الله صلّى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلّم، أو أصحابه الأبرار رضي الله تعالى عنهم وعنكم، فهذا من الفهم الخاطئ، والأخذِ بعموم الألفاظ التي نطق بها سيّدنا رسول الله عليه الصلاة والسلام وآله وصحبه الأعلام في أحاديثه الشريفة التي تحذّر من البدع من غير تخصيص، ومن ذلك ما رواه الإمام أبو داود رحمه الله تعالى في سننه عن سيّدنا العرباض بن سارية رضي الله تعالى عنه قال:-

(صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا، فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً، ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَأَنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ، فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا؟ فَقَالَ: أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُل بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ).

فأخذ البعض بظاهر الحديث وعمومه باعتبار أنّ كلمة (كلّ) من ألفاظ العموم فقرَروا بذلك أنّ كلّ فعل لم يفعله سيّدنا رسول الله صلّى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلّم بدعة ضلالة، وهذا القول فيه نظر، لأنّه ينافي القواعد الأصولية، فلفظ (كلّ) عام ولكنّه مخصوص، أو عام أريد به الخصوص، والعمومات في الكتاب العزيز والسنّة المشرّفة كثيرة، وكلّها دخلها التخصيص، أو كانت من العام الذي أريد به التخصيص، كقوله تعالى:-

{فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ} [سورة الأحقاف: 24-25].

وبالتأكيد فهي لم تدمّر كلّ شيء بقرينة قوله سبحانه في نفس الآية:-

{فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ}.

وفي الكتاب العزيز والسنة النبوية من هذه العمومات المخصوصة أو التي يراد بها الخصوص شيء كثير لا يسع المجال لذكرها.

فقوله صلّى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلّم:-

(فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُل بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ).

من ألفاظ العموم التي أريد بها الخصوص، وقد جاء في الصحيح عن سيّدنا رسول الله صلى الله تعالى وسلّم عليه وآله وصحبه ومَنْ والاه ما يخصّص هذا العموم، ومن ذلك قوله عليه الصلاة والتسليم وآله وصحبه أجمعين:-

(مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ) الإمام البخاري رحمه الباري عزّ شأنه.

فالحديث برواياته يشير إلى أنّ مِنَ الأمة مَنْ سيُحدث فعلاً أو أمراً، فلا يجوز إطلاق البدعة عليه والإنكار إلّا بعد النظر فيه، فإنْ كان موافقاً لأمر الدين فمقبول كما أسلفت، وإلّا فإنّه مردود، وهو من البدعة الضلالة.

ولقد فصّل ذلك الفقهاء رحمهم الله جلّ في علاه في كتبهم وفي شرحهم لهذه الأحاديث الشريفة، وأذكر منهم الإمام النووي رحمه الله جلّ وعلا، حيث قال في شرحه لحديث سيّدنا العرباض بن سارية رضي الله تعالى عنه في باب تخفيف الصلاة والخطبة:-

(هَذَا عَامّ مَخْصُوص، وَالْمُرَاد غَالِب الْبِدَع — وَلَا يَمْنَع مِنْ كَوْن الْحَدِيث عَامًّا مَخْصُوصًا. قَوْله: (كُلّ بِدْعَة) مُؤَكَّدًا (بِكُلِّ)، بَلْ يَدْخُلهُ التَّخْصِيص) شرح الإمام النووي على مسلم (6/154 – 155).

وقال أيضاً في باب الحث على الصدقة في شرحه لحديث سيدنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلم (مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَام سُنَّة حَسَنَة فَلَهُ أَجْرهَا):-

(وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ تَخْصِيصُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمُحْدَثَاتُ الْبَاطِلَةُ وَالْبِدَعُ الْمَذْمُومَةُ) شرح الإمام النووي على مسلم (7/104).

وما قاله الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في فتح الباري باب الاقتداء بسنن سيدنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلم في شرحه لقوله عليه الصلاة والسلام (وَشَرّ الْأُمُور مُحْدَثَاتهَا.. إِلَخْ) قال:-

(الْمُحْدَثَات بِفَتْحِ الدَّالّ جَمْع مُحْدَثَة، وَالْمُرَاد بِهَا مَا أُحْدِث وَلَيْسَ لَهُ أَصْل فِي الشَّرْع، وَيُسَمَّى فِي عُرْف الشَّرْع (بِدْعَة)، وَمَا كَانَ لَهُ أَصْل يَدُلّ عَلَيْهِ الشَّرْع فَلَيْسَ بِبِدْعَةٍ، فَالْبِدْعَة فِي عُرْف الشَّرْع مَذْمُومَة بِخِلَافِ اللُّغَة، فَإِنَّ كُلّ شَيْء أُحْدِث عَلَى غَيْر مِثَال يُسَمَّى بِدْعَة سَوَاء كَانَ مَحْمُودًا أَوْ مَذْمُومًا.

ونَقَلَ عن الإمام الشَّافِعِيّ رحمه الله تعالى في نفس الباب أنّه قال: الْبِدْعَة بِدْعَتَانِ: مَحْمُودَة وَمَذْمُومَة، فَمَا وَافَقَ السُّنَّة فَهُوَ مَحْمُود، وَمَا خَالَفَهَا فَهُوَ مَذْمُوم) فتح الباري (13/253).

وقال صاحب تحفة الأحوذي رحمه الله تعالى في شرحه لقوله عليه الصلاة والسلام (وايّاكم ومحدثات الأمور):-

(قَالَ الْحَافِظُ اِبْنُ رَجَبٍ رحمه الله تعالى فِي كِتَابِ جَامِعِ الْعُلُومِ: وَالْحِكَمِ فِيهِ تَحْذِيرٌ لِلْأُمَّةِ مِنْ اِتِّبَاعِ الْأُمُورِ الْمُحْدَثَةِ الْمُبْتَدَعَةِ، وَأَكَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَالْمُرَادُ بِالْبِدْعَةِ مَا أُحْدِثَ مِمَّا لَا أَصْلَ لَهُ فِي الشَّرِيعَةِ يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَأَمَّا مَا كَانَ لَهُ أَصْلٌ مِنْ الشَّرْعِ يَدُلُّ عَلَيْهِ فَلَيْسَ بِبِدْعَةٍ شَرْعًا، وَإِنْ كَانَ بِدْعَةً لُغَةً، فَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وصحبه وَسَلَّمَ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ مِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ لَا يَخْرُجُ عَنْهُ شَيْءٌ، وَهُوَ أَصْلٌ عَظِيمٌ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ، وَأَمَّا مَا وَقَعَ فِي كَلَامِ السَّلَفِ مِنْ اِسْتِحْسَانِ بَعْضِ الْبِدَعِ فَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي الْبِدَعِ اللُّغَوِيَّةِ لَا الشَّرْعِيَّةِ، فَمَنْ ذَلِكَ قَوْلُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي التَّرَاوِيحِ: نِعْمَتْ الْبِدْعَةُ هَذِهِ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: إِنْ كَانَتْ هَذِهِ بِدْعَةً فَنِعْمَتْ الْبِدْعَةُ، وَمِنْ ذَلِكَ أَذَانُ الْجُمُعَةِ الْأَوَّلُ، زَادَهُ سيدنا عُثْمَانُ لِحَاجَةِ النَّاسِ إِلَيْهِ، وَأَقَرَّهُ سيدنا عَلِيٌّ، وَاسْتَمَرَّ عَمَلُ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ).

وهكذا نجد الأئمة الأعلام الشافعي والنووي وابن حجر العسقلاني وابن الأثير وابن العربي والعزّ بن عبدالسلام والقرافي وغيرهم كثير رحمهم الله تعالى كلّهم أقرّوا تقسيم المُحدَث إلى محمود ومذموم، وأنّه قد تعتريه الأحكام الخمسة بحسب الأصل الذي يبنى عليه والشواهد التي تشهد له أو عليه، أو لما يترتب عليه من المصالح أو المفاسد، أو مصادمة الشرع أو موافقته.

ولهذا فلا يجوز للمسلم أنْ ينكر على أخيه المسلم ويتّهمه بالابتداع بدعوى أنّ الفعل لم يفعله سيّدنا رسول الله صلّى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلّم، ولا الصحابة الكرام، ولا التابعون، رضوان الله تعالى عليهم، فهذا ليس بدليل أصلاً، لأنّ حضرة النبيّ عليه الصلاة والسلام وآله وصحبه الكرام، وكما ثبت في الصحيحين عن أمّ المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها قالت:-

(إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَدَعُ العَمَلَ، وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ خَشْيَةَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ النَّاسُ، فَيُفْرَضَ عَلَيْهِمْ —) الإمام البخاري رحمه الباري سبحانه.

ولو كان عدم فعل سيّدنا رسول الله عليه الصلاة والسلام وآله وصحبه الأعلام دليلاً على عدم جواز الفعل لما أحْدَث الصحابة رضوان الله تعالى عليهم جميعاً أفعالاً لم يفعلها سيّدنا رسول الله صلّى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلّم، مع أنّ سيّدنا رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه وآله وصحبه نطق بهذه الأحاديث بين أظهرهم، فهي موجهة لهم رضوان الله تعالى عليهم قبل أنْ توجّه لمَنْ بعدهم من هذه الأمّة.

ومن أمثلة ذلك:-

1- عَنْ سَيِّدِنَا أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ:-

(أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِبِلاَلٍ: عِنْدَ صَلاَةِ الفَجْرِ: يَا بِلاَلُ حَدِّثْنِي بِأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ فِي الإِسْلاَمِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ دَفَّ نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الجَنَّةِ، قَالَ: مَا عَمِلْتُ عَمَلًا أَرْجَى عِنْدِي: أَنِّي لَمْ أَتَطَهَّرْ طَهُورًا، فِي سَاعَةِ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ، إِلَّا صَلَّيْتُ بِذَلِكَ الطُّهُورِ مَا كُتِبَ لِي أَنْ أُصَلِّيَ) الإمام البخاري رحمه الله جلّ في علاه.

الشاهد هنا أنّ سيّدنا بلالاً رضي الله تعالى عنه فعل فعلاً لم يفعله سيّدنا رسول الله عليه الصلاة والسلام وآله وصحبه الكرام، وقد أثابه الله عزّ وجلّ عليه بالجنّة قبل أنْ يقرّه سيّدنا رسول الله صلّى الله تعالى عليه وآله وسلّم فكان لنا سنّة.

2- عَنْ سَيِّدِنَا رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الزُّرَقِيِّ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ:-

(كُنَّا يَوْمًا نُصَلِّي وَرَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ، قَالَ رَجُلٌ وَرَاءَهُ: رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ: مَنِ المُتَكَلِّمُ؟ قَالَ: أَنَا، قَالَ: رَأَيْتُ بِضْعَةً وَثَلاَثِينَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا أَيُّهُمْ يَكْتُبُهَا أَوَّلُ) الإمام البخاري رحمه الله عزّ وجلّ.

3- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُمْ قَالَ:-

(عَطَسَ شَابٌّ مِنَ الْأَنْصَارِ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، حَتَّى يَرْضَى رَبُّنَا، وَبَعْدَمَا يَرْضَى مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: مَنِ الْقَائِلُ الْكَلِمَةَ؟ قَالَ: فَسَكَتَ الشَّابُّ، ثُمَّ قَالَ: مَنِ الْقَائِلُ الْكَلِمَةَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ بَأْسًا؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا قُلْتُهَا لَمْ أُرِدْ بِهَا إِلَّا خَيْرًا، قَالَ: مَا تَنَاهَتْ دُونَ عَرْشِ الرَّحْمَنِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى) الإمام أبو داود رحمه الودود تقدّست أسماؤه.

ففي الحديث الشريف الأوّل كان الذكر بعد الرفع من الركوع، وفي الثاني كان بعد أنْ عطس وهو في الصلاة، وفي كلا الحالتين أنّ الذكر لم يكن مأثوراً عن سيّدنا رسول الله صلّى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلّم، ومع هذا جاء الإقرار من الله تعالى أوّلاً بقبوله قبل إقرار سيّدنا رسول الله صلّى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلّم.

وقال الحافظ بن حجر رحمه الله تعالى في الفتح وفي معرض شرحه لحديث سيدنا رفاعة رضي الله تعالى عنه ومعلقاً على ما رواه الإمام أبو داود رحمه الله جلّ في علاه:-

(وَالْحِكْمَةُ فِي سُؤَالِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ عَمَّنْ قَالَ أَنْ يَتَعَلَّمَ السَّامِعُونَ كَلَامَهُ فَيَقُولُوا مِثْلَهُ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ إِحْدَاثِ ذِكْرٍ فِي الصَّلَاةِ غَيْرِ مَأْثُورٍ إِذا كَانَ غير مُخَالف للمأثور، وَعَلَى جَوَازِ رَفْعِ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ مَا لَمْ يُشَوِّشْ عَلَى مَنْ مَعَهُ، وَعَلَى أَنَّ الْعَاطِسَ فِي الصَّلَاةِ يَحْمَدُ اللَّهَ بِغَيْرِ كَرَاهَةٍ، وَأَنَّ الْمُتَلَبِّسَ بِالصَّلَاةِ لَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ تَشْمِيتُ الْعَاطِسِ، وَعَلَى تَطْوِيلِ الِاعْتِدَالِ بِالذِّكْرِ) فتح الباري (2/287).

 

وعلى ما تقدّم:-

فإنّ الزيادة على الذكر المأثور بعد الرفع من الركوع -إذا كانت من قبيل الثناء على الله تعالى- لا تستحق الإنكار، لأنّها لا تدخل في معنى البدعة الضلالة، شريطة أنْ لا يعتقد قائلها أنّها سنّة عن سيّدنا رسول الله صلّى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلّم، أو هي أفضل من المأثور. والتمسّك بالمأثور أفضل.

والله تبارك اسمه أعلم.

وصلّى الله تعالى وبارك وسلّم على سيّدنا محمّد، وعلى آله وصحبه أهل الجود والكرم.