2012/04/29
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وفقكم الله سيدي الشيخ وجميع القائمين على الموقع لخدمة الاسلام والمسلمين ونرجو أن تكرمنا بدعائكم.

سيدي الشيخ هل يجوز للنساء حضور صلاة الجماعة؟

ولكم كل الشكر.
الاسم: فاطمة

الرد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، جزاك الله تعالى خيراً على دعائك ولك بمثله.

نعم يجوز للنساء حضور صلاة الجماعة لورود الأحاديث الشريفة في ذلك منها قوله عليه الصلاة والسلام (لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ) متفق عليه. وقوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم (لَا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمُ الْمَسَاجِدَ، إِذَا اسْتَأْذَنَّكُمْ إِلَيْهَا) الإمامان مسلم وأحمد رحمهما الله تعالى. وكان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم يأمر النسآء اللاتي يمنعهن العذر من الصلاة بالخروج لمصلى العيد كما جاء في حديث سيدتنا أم عطية رضي الله عنها (أمِرْنَا أَنْ نُخْرِجَ الْحُيَّضَ يَوْمَ الْعِيدَيْنِ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ، فَيَشْهَدْنَ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَدَعْوَتَهُمْ، وَيَعْتَزِلُ الْحُيَّضُ عَنْ مُصَلاَّهُنَّ. قَالَتِ امْرَأَةٌ: يَا رَسُولَ اللهِ إِحْدَانَا لَيْسَ لَهَا جِلْبَابٌ؟ قَالَ: لِتُلْبِسْهَا صَاحِبَتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا) متفق عليه. هذا من باب الجواز.

ولاشك أن الأفضل للمرأة الصلاة في بيتها، فقد استأذنت إحدى الصحابيات رضي الله عنها حضرة النبي صلى الله عليه وسلم قآئلة  (يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُحِبُّ الصَّلَاةَ مَعَكَ؟ قَالَ: عليه الصلاة والسلام: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكِ تُحِبِّينَ الصَّلَاةَ مَعي، وَصَلَاتُكِ فِي بَيْتِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلَاتِكِ فِي حُجْرَتِكِ، وَصَلَاتُكِ فِي حُجْرَتِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلَاتِكِ فِي دَارِك، وَصَلَاتُكِ فِي دَارِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلَاتِكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ، وَصَلَاتُكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلَاتِكِ فِي مَسْجِدِي. قَالَ (الراوي): فَأَمَرَتْ فَبُنِيَ لَهَا مَسْجِدٌ فِي أَقْصَى شَيْءٍ مِنْ بَيْتِهَا وَأَظْلَمِه، فَكَانَتْ تُصَلِّي فِيهِ حَتَّى لَقِيَتْ اللَّهَ عَزَّ وَجَل) الأئمة أحمد وابن حبان والطبراني وآخرون رحمهم الله تعالى.

وبين الجواز والأفضلية مساحة يمكن للفقيه أن يختار منها ما هو أصلح لزمانه فبعض الفقهاء رضي الله عنهم وعنكم كالسادة الأحناف والحنابلة والشافعية رفعوا الحرج عن العجائز أو اللواتي لا إرب للرجال فيهن من الخروج إلى المساجد، أي بمعنى آخر فإن أفضلية الصلاة في البيت تتأكد في حق اللواتي هنّ في أواسط العمر.

و لي رأي فيما مضى –أسأل الله تعالى أن يكون صواباً- فإن الحياة كما نعلم تغيرت وتبدلت كثيرا وأصبح خروج المرأة لقضاء مصالحها الضرورية منها وغير الضرورية شائعا، فتعليم البنات أصبح من الضرورات التي لا يمكن تجاهلها خاصة في هذا العصر الذي تعقدت فيه الحياة ووسآئل العيش، مع الالتزام بضوابط الشرع الشريف وآدابه. والإسلام دين يواكب كل عصر بما لا يتنافى مع ثوابته ومن هنا فلا يستساغ أن نقبل بخروج المرأة للدراسة أو العمل ولا نقبل أن تصلي في بيوت الله تعالى أو تحضر دروس العلم فيها. ولو عدنا إلى الأزمان الماضية فإن النساء كنّ يتزودن بالعلم الشرعي من خلال الأزواج واالأخوة في البيوت ولكن –ومع الأسف الشديد- فإن أكثر الرجال غفلوا عن مناهل العلم بمشاغل الحياة منها الضرورية ومنها غير ذلك فانقطعت المرأة عن التفقه في أمور عبادتها خاصة وأن للمرأة حصة في الفقه الإسلامي.

ومن هنا فأقول إن الحرج عن ارتياد النساء المساجد مرفوع إذا التزمن بأخذ الإذن من ولي الأمر وحافظن على الإلتزام الشرعي كما أسلفت، ويؤيد هذا كل ما ورد من الأحاديث الشريفة التي تبين حضور النسآء على عهد خاتم النبيين عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلوات وأكمل التسليم وعهود الخلفاء الراشدين المهديين الذي أمرنا بالاقتداء بسننهم رضي الله تعالى عنهم أجمعين، ومن أدلة حرص النسآء في صدر الإسلام على حضور الجماعات ما نقله إلينا المحدثون رحمهم الله تعالى فعن سيدتنا أسمآء بنت ابي بكر رضي الله عنهما قالت: (…قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ خَطِيبًا، فَذَكَرَ الْفِتْنَةَ الَّتِي يُفْتَنُ فِيهَا الْمَرْءُ فِي قَبْرِهِ، فَلَمَّا ذَكَرَ ذَلِكَ ضَجَّ الْمُسْلِمُونَ ضَجَّةً حَالَتْ بَيْنِي وَبَيْنَ أَنْ أَفْهَمَ آخِرَ كَلامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا سَكَنَتْ ضَجَّتُهُمْ، قُلْتُ لِرَجُلٍ قَرِيبٍ مِنِّي: أَيْ بَارَكَ اللَّهُ فِيكَ، مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي آخِرِ قَوْلِهِ؟…) الإمامان البخاري وأبو داود رحمهما الله تعالى. وفي الحديث الذي نقلته سيدتنا فاطمة بنت قيس رضي الله عنه يبين حرص الصحابيات رضي الله عنهن على حضور الجماعات ننقل جزء منه: (…فلما انقضت عدتي سمعت نداء المنادي منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي الصلاة جامعة فخرجت إلى المسجد فصليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكنت في صف النساء التي تلي ظهور القوم فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته جلس على المنبر وهو يضحك فقال ليلزم كل إنسان مصلاه…) الإمام مسلم رحمه الله تعالى.

فعندما نهى سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن الغلو في مهور النسآء قآئلاً (ألا لا تغالوا صدقة النساء، فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله لكان أولاكم بها نبي الله صلى الله عليه وسلم، ما علمت رسول الله صلى الله عليه وسلم نكح شيئاً من نسائه ولا أنكح شيئاً من بناته على أكثر من ثنتي عشرة أوقية) الأئمة أحمد وابن ماجة وأبو داود رحمهم الله تعالى ووردت زيادة جآء فيها (فلما نزل قالت له إمرأة: يا عمر يعطينا الله وتحرمنا؟ أليس الله – سبحانه وتعالى – يقول: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا} ؟ فقال عمر رضي الله عنه: أصابت امرأة وأخطأ عمر) الإمام البيهقي رحمه الله تعالى. وعند إمامة أحد الصحابة رضي الله عنهم كانت تنكشف عنه عورته إذا ركع أو سجد (حتى قالت إحدى النساء غطوا عورة إمامكم) الإمام أبو داود رحمه الله تعالى.

ويطيب لي أن أختم الجواب بهذه الكلمات المضيئة لسيدي حضرة الشيخ عبدالله الهرشمي طيب الله روحهُ وذكرهُ وثراهُ في كتابه القيم (معالم الطريق في عمل الروح الإسلامي) ص 115-118، بعد أن حذر من تقليد الغرب في إباحة الإختلاط في مجالات الدراسة والعمل فقال:

(أما ملتقى الخير والتقوى في أجواء العبادة والسمو الروحي فذاك مجمع النساء والرجال في حرم الصلاة، حيث تُرى الشابات ويُرى الشبان على نوايا العفاف والأمانة والطهر وخلجات الأرواح المطيعة لخالقها، وذاك هو المتلائم مع المناهج والمقاصد في حضارة الإسلام.

فعلى عهد السعادة حضرت النساء مع الرجال في مسجد رسول الله يصطففن، وصفوف الرجال بين صفوفهن وبين الـقبلة، حيث أدى الجميع فرائض الصلاة يؤمهم خاتم الأنبياء والمرسلين – صلى الله عليه وعلى الأصحاب والصحابيات أجمعين-. ثم لا تسل عن الخشوع والحشمة والرزانة عند الحضور وعند الإفاضة من الصلاة!

وإذا كنت – أيها الرفيق القارئ – شاباً أو شابة وأحببت أن تتصور سيرة اختيار زوج لك بين المصلين أو المصليات فلعلك تجد الصورة المطلوبة في هذه الأبيات من الشعر الإسلامي:

هب للمسجد يمضي بعد ذاكـا
فـرأى بـعــد صـلاتـيه ملاكـا
وهفا القلب ولـكـن يا تُراكـــا
بعد رشد يرجع الولهان والصب الفتيا

ومضت غبّ أداء الفرض حالاً
لـم تـمـل قـط يمـيـنـاً وشـمــالاً
أخفت الحسن فأضـحى يـتــلالا
يعتلي جلباب طهر وخـمـاراً مغربـيـا

قـصـد الشيـخَ فتـانا المســتهـام
يشـرح الحــال لـه فهـو الإمـام
رب مستفت وفي الفتوى غرام
فانبرى الشيخ يزكي قلبه البر الـغنيا

أنت عف تعشق الروض الأغنا
وهي بكر بهـدى الـروح تغـنـى
فاصطبر إني أنا بالأمر أعـــنى
ويرى الصنوان في دينهما حباً وريـا

خطب الشيخ بلطـف وتـروّى
وحديث عن رسول الله يروى
والـتـقـت أفئـدة القـوم لتـروى
زهــر بعـد زفــــاف قـد أراداه نـقـيــا

عـاد للـدار فـتـانـا بـخـطــــاه
وخطى نجـم أنـارت منـتـهـاه
فهما روح رضاها من رضاه
وجدا في الحب والإخلاص ميثاقاً قويا

سبّحـا لله فـجــراً  وعـشـيـا
وبدا المعراج أمراً مـنطقيا
وهـبـا فـيـه نـعيـماً  أبـديــا
وبهدّي الأحمد الهادي سلامـاً مشـرقيا

ويروي الإمام البخاري في صحيحه (القسطلاني ج1 ص 394) أن عائشة أم المؤمنين قالت: (نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين).

فأسأل الله البرّ الرحيم بجاه حضرة النبي الكريم عليه وعلى آله وصحبه الصلاة والتسليم أن يجمع قلوب المسلمين والمسلمات على هذا الهدي المستنبط من شرع خالق الأرض والسماوات، لينالوا السعادة العظمى وأعلى الدرجات في الدنيا والآخرة، إنه سبحانه وتعالى مجيب الدعوات.

والله سبحانه وتعالى أعلم.