2012/05/09

السؤال:

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته أسأل الله سبحانه وتعالى أنْ لا يحرمني من بركة توجيهاتكم ونفحات روحانياتكم وأنْ ينفع المسلمين من أنوار علومكم، آمين.

سيّدي ما حكم المرأة التي تمنع زوجها من الزواج الثاني، أو تضع أمامه المعوّقات مع علمها أنه باستطاعته أن يفتح بيتين بإذن الله تعالى.

 

الاسم: مهدي صالح

 

الرد:-

وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته.

جزاك الله جلّ وعلا خيرًا على دعائك المبارك ولك بمثله.

ليس هناك حكم محدّد للذي ذكرته بل هو خلاف بين الزوجين، وأنصح الزوجة بأنْ تسيطر على مشاعر الغَيْرَةِ لديها وتسلّم أمرها إلى خالقها جلّ جلاله الذي أباح هذا الأمر لِحِكَمٍ كثيرة وبشروط معروفة.

فمن الناحية الشرعية والعملية لا تملك منع زوجها من التزوّج بأخرى، ولكنّ الأفضل أنْ يحاول الزوج إقناع زوجته قدر الإمكان ويبيّن لها أسباب إقدامه على هذه الخطوة، وتذكيرها بأنّ طاعة الله عزّ وجلّ فيما أباح، وكذلك طاعة الزوج، فيهما أجر عظيم ورفع لدرجتها عند ربها عزّ شأنه.

أمّا إذا عبرّت عن معارضتها بالتجاوز على زوجها وعصيانه أو الاعتراض على أحكام الشرع الشريف فهذا إثم كبير يجب عليها أنْ تدركه وتتحاشاه بالصبر وحسن الخلق، فالله سبحانه ابتلى عباده بأنواع التكاليف الشرعية لتمحيص إيمانهم وصبرهم، فالصلاة والزكاة والصيام والحجّ ومجاهدة النفس على الفضائل وغير ذلك يدخل ضمن التكاليف الشرعية، وعلى الإنسان تحمّلها قدر إمكانه.

قال عزّ من قائل:-

{لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا —} [سورة البقرة: 286].

فالله تعالى سمّاها تكليفا بمعنى الصعوبة ولكن أردف عزّ وجلّ ذلك بقوله (إلّا وُسْعَهَا) أي إنّ هذه التكاليف تبقى في دائرة استطاعة الإنسان.

 

وتختلف هذه التكاليف بحسب الظروف العامّة أو الخاصّة، فصلاة الفجر والصيام في أيّام الصيف أكثر كلفة ممّا في أيام الشتاء، وبالنسبة لعليل الجسم أشدّ ممّا لصحيحه، فمن يبتغي مرضاة الله عزّ وجلّ ويسعى لنعيم الآخرة فلا بدّ له أنْ يتحمّل عناء ووعورة الطريق إلى الهدف العظيم وقد قال جلّ في علاه:-

{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [سورة العنكبوت: 69].

والمجاهدة هنا لا تقتصر على جهاد القتال، فكلّ بذل وعناء للنفس والجسم يدخل فيها.

فمَنْ يقدم زوجها على الزواج بأخرى لا شكّ أنّها تعاني من ألم الغَيْرَةِ التي استوُدِعت فيها، ولكن في نفس الوقت يجب أنْ لا تتعدّى الحدّ الذي يدخلها فيما حرّم الله عزّ وجلّ، بل إنّ هناك قصصًا عن موافقة الزوجة الأولى بأنْ يتزوّج زوجها بأخرى بكلّ طيبة قلب وسماحة ابتغاء مرضاة الله تعالى، وابتغاء رِضَا الزوج، قال سيّدنا رسول الله صلّى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلّم:-

(وَالْمُجَاهِدُ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ) الإمام أحمد رحمه الفرد الصمد تقدّست أسماؤه.

ولو نظرت المرأة بعين المنطق وسألت نفسها: ماذا بوسعها أنْ تفعل تجاه رغبة زوجها في نهاية المطاف حتّى لو أقامت الدنيا وأقعدتها كما يقال؟ هناك خيار في طاعة الله جلّ وعلا، وخياران ينافيانها وهما:-

إمّا أنْ تترك بيت زوجها وتعيش في بيت أهلها أو لوحدها، وما يتبع ذلك من تشتت الأولاد إنْ كان لهما أولاد، وتقضي بقيّة حياتها تحت رحمة الآخرين.

أو تعيش مع الزوجة الثانية مع إصرارها على حياة ملؤها المشاكل والكيد والإثم – من غيبة ونميمة وحسد وحقد – وكفى بهذا إثمًا مبينًا يكون سببًا للشقاء في الدنيا والآخرة عياذاً بالله تبارك وتعالى.

وأمّا خيار طاعة الله سبحانه فبأنْ تسلّم للأمر، وتعزم على بناء علاقة حسنة مع الزوجة الأخرى، وبهذا تحظى برضا ربّها جلّ جلاله، وحبّ وتقدير زوجها، وتعيش حياة بعيدة عن المشاكل، قال جلّت حكمته:-

{بلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} [سورة البقرة: 112].

يبقى جانب مهم يجب أنْ أنبّه إليه وهو عدم التزام بعض مَنْ يقدم على الزواج الثاني بالضوابط التي أقرّها الدِّيْن الحنيف وأهمّها: العدل بين الزوجات، فقد يكون أهمّ الأسباب التي تعارض من أجلها الزوجةُ الأولى الزواجَ الثاني ما تسمعه من قصص التعسّف التي يمارسها بعض الأزواج، إذ ما أنْ يتزوّج بالثانية حتّى يهجر الأولى أو يفضّل الثانية تفضيلًا بيّنًا.

ولا يخفى على كلّ عاقل ما لهذا التصرّف من ظلم بيّن يؤدي بلا شك إلى اشتعال نار الغَيْرَةِ وما يصاحبها من مشاكل وكراهية تمتد في أكثر الأحيان إلى الأولاد.

فليتقِ الله عزّ وجلّ مَنْ يَقْدُم على الزواج الثاني وليتذكّر وعيد سيّدنا رسول الله صلّى الله تعالى وسلّم عليه وآله وصحبه ومَنْ والاه الذي قال:-

(مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ، يَمِيلُ مَعَ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى، جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَحَدُ شِقَّيْهِ سَاقِطٌ) الإمام ابن ماجه رحمهم الله سبحانه.

وترجمة هذا الحديث الشريف بلغة العصر الحالي أنّه يأتي يوم القيامة مصابًا بالشلل النصفي (عياذاً بالله تعالى) فهذا المرض الذي لا تحتاج صعوبته وتبعاته إلى شرح ولكن مع ذلك للمريض أمل برحمة الله جلّ وعلا أنْ يشفيه، ويكتب له الأجر في الآخرة.

أمّا مرض الآخرة فليس له شفاء ولا أجر.

أسأل الله عزّ وجلّ العافية في ديننا ودنيانا وأخرانا، ويجنبنا الظلم بكلّ صوره.

وأرجو مراجعة جواب السؤالين المرقمين (248، 293) في هذا الموقع الميمون.

والله تبارك اسمه أعلم.

وصلّى الله تعالى وسلّم على سيّدنا محمّد، وعلى آله وصحبه أجمعين.