2012/06/19
السؤال:
والدتى عمرها 75 سنه رأت أبوها و أمها المتوفين، أمها قالت لها تعالى بعد أسبوع، والدها قال إنى قادم بعد اسبوعين لأخذك
 
أرجو تفسير هذا الحلم ضرورى لأنى لا أنام بسببه.
الاسم: نجاح
 
 
الرد:
بشكل عام فإن قول الميت حق، لأنه في عالم اليقين حيث أن الله عز وجل سمّى الموت يقينا فقال {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} الحجر 99. على قول أكثر المفسرين رحمهم الله تعالى لأن بالموت يصل الإنسان إلى عالم الشهادة بالنسبة إلى كثير من الغيبيات.
 
فالمسلم يؤمن بالملآئكة ولكن قليل جداً من الناس يرونهم في الدنيا بينما الجميع يرونهم حال الوفاة بل قبيل ذلك أيضاً كما أخبر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم (إن المؤمن إذا كان في قبل من الآخرة وانقطاع من الدنيا نزلت إليه الملائكة كأن وجوههم الشمس مع كل ملك منهم كفن وحنوط فجلسوا منه مد البصر فإذا خرجت نفسه صلى عليه كل ملك بين السماء والأرض وكل ملك في السماء وفتحت له أبواب السماء كلها فليس منها باب إلا وهو يعجبه أن يدخل به منه فإذا انتهى به الملك إلى السماء قال رب عبدك فلان قد قبضنا نفسه فيقول أرجعوه إلى الأرض فإني وعدته أني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى قال وإنه ليسمع خفق نعالهم إذا ولوا مدبرين فيقال له يا هذا من ربك وما دينك ومن نبيك قال يقول ربي الله وديني الإسلام ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم ثم ينادي مناد من السماء وذكر كلاما وذلك قوله تعالى {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة} ثم يأتيه آت حسن الوجه طيب الريح حسن الثياب قال فيقول له يا هذا أبشر برضوان الله وجنات فيها نعيم مقيم قال فيقول وأنت فبشرك الله بخير فمن أنت لوجهك الوجه يبشر بالخير قال يقول أنا عملك الصالح كنت فوالله ما علمت إن كنت لسريعا في طاعة الله بطيئا عن معصية الله فجزاك الله خيرا قال فيقول وأنت جزاك الله خيرا ثم ينادي مناد من السماء أن افتحوا له بابا إلى الجنة وافرشوا له من فرش الجنة ويفرش له من فرش الجنة قال يقول رب عجل قيام الساعة قال فيقولها ثلاثا حتى أرجع إلى أهلي ومالي وإن الكافر إذا كان في قبل من الآخرة وانقطاع من الدنيا نزلت إليه ملائكة سود الوجوه معهم سرابيل من قطران وثياب من نار فأجلسوه وانتزعوا نفسه معها العصب والعروق فإذا خرجت نفسه لعنه كل ملك بين السماء والأرض وكل ملك في السماء وغلقت أبواب السماء دونه فليس منها باب إلا وهو يكره أن يدخل منه فإذا انتهى به الملك إلى السماء رمى به فيقول أي رب عبدك فلان قبضنا نفسه قال فيقول أرجعه إلى الأرض فإني وعدته أني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى قال وإنه ليسمع خفق نعالهم إذا ولو مدبرين فيقال له يا هذا من ربك وما دينك ومن نبيك قال يقول لا أدرى قال فينادي مناد من السماء لا دريت ثم يأتيه آت قبيح الوجه منتن الريح قبيح الثياب فيقول يا هذا أبشر بسخط الله وعذاب مقيم قال فيقول وأنت بشرك الله بالشر فمن أنت لوجهك الوجه يبشر بالشر قال يقول أنا عملك السيء إن كنت لسريعا في معصية الله بطيئا عن طاعة الله فجزاك الله شرا قال فيقول وأنت فجزاك الله شرا ثم يقيض له أعمى أبكم معه مرزبة من حديد لو ضرب بها جبلا لصار نارا فيضربه ضربة يسمعها ما بين المشرق والمغرب إلا الثقلين فيصير ترابا ثم تعاد فيه الروح قال قلنا للبراء أملك هو أم شيطان قال فغضب غضبا شديدا ثم قال نحن كنا أشد هيبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم من أن نسأله أملك هو أم شيطان قال ثم يناد مناد من السماء أن افرشوا له لوحين من نار وافتحوا له بابا من النار قال فيفرش له لوحان من النار ويفتح له باب إلى النار فيقول رب لا تقم الساعة لا تقم الساعة) الإمام الطبري رحمه الله تعالى. وقال عليه الصلاة والسلام (إِذَا قُبِرَ الْمَيِّتُ، أَوْ قَالَ: أَحَدُكُمْ أَتَاهُ مَلَكَانِ أَسْوَدَانِ أَزْرَقَانِ، يُقَالُ لِأَحَدِهِمَا: الْمُنْكَرُ وَالْآخَرُ النَّكِيرُ، فَيَقُولَانِ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ؟ فَيَقُولُ: مَا كَانَ يَقُولُ هُوَ: عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَيَقُولَانِ: قَدْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُولُ هَذَا، ثُمَّ يُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ سَبْعُونَ ذِرَاعاً فِي سَبْعِينَ، ثُمَّ يُنَوَّرُ لَهُ فِيهِ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: نَمْ، فَيَقُولُ: أَرْجِعُ إِلَى أَهْلِي فَأُخْبِرُهُمْ، فَيَقُولَانِ: نَمْ كَنَوْمَةِ الْعَرُوسِ الَّذِي لَا يُوقِظُهُ إِلَّا أَحَبُّ أَهْلِهِ إِلَيْهِ حَتَّى يَبْعَثَهُ اللَّهُ مِنْ مَضْجَعِهِ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مُنَافِقاً، قَالَ: سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ: فَقُلْتُ مِثْلَهُ: لَا أَدْرِي، فَيَقُولَانِ: قَدْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُولُ ذَلِكَ، فَيُقَالُ لِلْأَرْضِ: الْتَئِمِي عَلَيْهِ فَتَلْتَئِمُ عَلَيْهِ، فَتَخْتَلِفُ فِيهَا أَضْلَاعُهُ، فَلَا يَزَالُ فِيهَا مُعَذَّباً حَتَّى يَبْعَثَهُ اللَّهُ مِنْ مَضْجَعِهِ ذَلِكَ) الأئمة الترمذي وأبو داود والطبراني وآخرون رحمهم الله تعالى. ولذلك قال المعبرون (كلام الميت حق) ولكن هذا يُحدّد بالضوابط الشرعية، فبالنسبة للأجل نادراً ما يراد به التحديد وإنما يراد به الإسراع أو التنبيه بأن لم يبق إلّا القليل.
 
وأذكر في هذا المجال أن أحد الصالحين رضي الله عنه وعنكم رأى في المنام ملك الموت فسأله: كم بقي لي على الموت؟ فأشار ملك الموت بأصابعه الخمسة، فلما استيقظ مصدّقا الرؤيا، مأوّلاً الرؤيا بأنه لم يبق له من حياته سوى خمس دقآئق فسارع إلى الوقوف بين يدي الباري عز وجل وطلب المغفرة والإستعداد للرحيل، فلمّا مضت الخمس دقآئق قال ربما هي خمس ساعات، فلمذا انقضت الساعات الخمس قال ربما خمسة أيام فلما مرت ولم يَمُت قرر الذهاب إلى معبّر لرؤياه، فأجابه المعبّر: إن تعبير رؤياك ترشدك إلى قول الله جل جلاله {إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} لقمان -34- فكأنما أشار ملك الموت بأن الذي تسأل عنه داخل ضمن الغيبيات الخمس المذكورة في الآية الكريمة.
 
فمدة الأسبوعين المذكورة في رؤيا والدتك قد لا تعني بالضرورة المدة المحددة بل هو إخبار بأن الذي بقي شيءٌ قليل نسبة إلى عمرها الذي نسأل الله عز وجل أن يمد ويبارك فيه ويمنّ عليها بالصحة والعافية.
 
أمّأ القلق والتفكير فلا داعي له، لأن الموت حق علينا جميعاً وهو مقدّر منذ خلقنا الله تعالى أجنة في بطون الأمهات، فينبغي أن نسلّم الأمر له سبحانه ولا نحّمل أنفسنا ما لا تطيق ونتذكر قوله سبحانه {كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ…} آل عمران –عليهم السلام- 185، وقوله عز وجل {…كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ…} القصص 88، والموت لأهل التقوى واليقين راحة لهم فهو الباب الذي يدخلون منه إلى رضوان الرب جل وعلا.
 
ومع أن الموت له رهبة وخوف فطري في نفوس المخلوقات ولكننا بصفتنا مسلمين تربينا على أن الموت هو انتقال من حياة إلى حياة أخرى، فيؤدي بنا الموت إلى اليقين وإلى الفوز والخروج من دار التعب و التكليف إلى دار النعمة والتشريف، قال سيدنا علي رضي الله تعالى عنه حينما ضرب (فزت ورب الكعبة).
 
وفي هذه المناسبة أروي عن سيدي حضرة الشيخ عبد الله الهرشمي طيب الله تعالى روحه وذكره وثراه: (إن أحلى شيء عندي هو الموت، ولولا الموت لم أطق الحياة الدنيا، ولكننا نتأدب بأدب الشرع الشريف فلا نتمنّاه). وهذا دليل على حبه لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، ومع علوّ قدره ومكانته وأنسه بذكرالله عز وجل فإنه يقول (ولكنّا لانتمناه).
 
والله سبحانه وتعالى أعلم.