2012/06/29
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته سيّدي حضرة الشيخ سعد الله.

أدامكم الله ذخراً للإسلام والمسلمين، ورزقنا حسن الوفاء إليكم بجاه خاتم الأنبياء والمرسلين سيّدنا وسندنا ومولانا محمّد صلّى الله تعالى عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
سؤالي لجنابكم: إني قد حججت العام الماضي ولم أبت بمزدلفة، فماذا عليّ؟

الاسم: محمد.

 

الرد:
وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته.

بارك الله تعالى فيك على مشاعرك الطيبة ودعواتك المخلصة وأدعو الباري جلّ وعلا أنْ يرزقنا جميعًا حسن اتّباع سيّدنا المصطفى صلّى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلّم في الأفعال والأقوال والأحوال.

المبيت في مزدلفة من شعائر الحج اقتداء بفعل سيّدنا رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه وآله وصحبه ومَنْ والاه، وفيها المشعر الحرام المذكور في قوله عزّ شأنه:-

{لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّآلِّينَ} [سورة البقرة: 198].

ويجبر تركه بدمٍ إنْ كان تركه بغير عذر، وللفقهاء رضي الله تعالى عنهم وعنكم وجهات نظر فيما يحصل به هذا الواجب.

فالسادة الأحناف رحمهم الله جلّ في علاه ومَنْ وافقهم جعلوا المبيت فيها سنّة، وأنَّ الواجب المكوث فيها بعد فجر يوم النحر وقبل طلوع الشمس، وظاهر القرآن الكريم، وفعل حضرة خاتم النبيين عليه الصلاة والتسليم وآله وصحبه أجمعين يؤيّد هذا الرأي، وهذا في حقّ الرجال القادرين، أمّا النساء فلهنّ الانصراف بعد منتصف الليل بمجموعة لضعفهنّ وليتحاشينَ زحمة الرجال، فإنَّ أمّنا السيّدة سودة بنت زمعة رضي الله تعالى عنها كما في الحديث الشريف:-

(اسْتَأْذَنَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّقَدُّمِ مِنْ جَمْعٍ قَبْلَ حَطْمَةِ النَّاسِ، فَأَذِنَ لَهَا) متفق عليه.

وفيه تيسير للنساء ورفق بهنّ كما أوصى سيّدنا رسول الله عليه الصلاة والسلام وآله وصحبه الكرام:-

(— رُوَيْدَكَ بِالقَوَارِيرِ) الإمام البخاري رحمه الباري عزّ شأنه.

أي رفقك بالنساء.

والسادة الشافعية رحمهم الله تعالى يرون أنّ المكوث بعد نصف الليل ولو مرورًا.

وعليه فإنْ كنتَ تركتَ المبيت في مزدلفة ولم تنزل ولو بقدر حطّ الرحال (وهو رأي السادة المالكية رحمهم ربّ البرية جلّ وعلا) لعذر كالزحام فلا شيء عليك عند ذلك، وإلّا فعليك أنْ تُخْرِجَ هَدْيًا مجزئًا في الأضحية، فإنْ لم تستطع فصيام عشرة أيّام، ثلاثة في مكّة، وسبعة في بلدك، قال عزّ من قائل:-

{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [سورة البقرة: 196].

والله سبحانه وتعالى أعلم.

وصلى الله تعالى على خير من حج واعتمر سيّدنا محمد وآله وصحبه وسلّم.