2013/07/15

السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أهنئكم سيدي حضرة الشيخ بقدوم شهر رمضان المبارك سؤال هو كيف يزيد المؤمن إيمانه في شهر رمضان وكيف يجد حلاوة الإيمان.

 

الاسم: يوسف

 

الرد:

وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته، وكلّ عام وأنتم بخير.

الإيمان قول وعمل واعتقاد، يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي قال تعالى {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال/2]، وقال تعالى {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} [التوبة/124]. وقال سيّدنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلم (الإيمان بضع وسبعون باباً، فأدناها إماطة الأذى عن الطريق، وأرفعها قول لا إله إلا الله) الإمام الترمذي رحمه الله تعالى، وقال نبيّنا الأكرم صلى عليه الله تعالى وسلم وعلى آله وصحبه (من أحبّ لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان) الإمام أبو داود رحمه الله تعالى.

قال صاحب متن الشيبانية رحمه الله تعالى:

وإيماننا قولٌ وفعلٌ ونيّةٌ               ويزدادُ بالتقوى وينقص بالرَّدَى

وللإيمان آثار ظاهرة وباطنة على المؤمن، قال ربنا تبارك وتعالى {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [الزمر/23]، وقال سبحانه {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد/ ٢٨].

ومن هذه الآثار ذلك الطعم وتلك الحلاوة التي يجدها المؤمن في قلبه فكما أنّ الإنسان يتلذذ بالطعام والشراب فكذلك القلب يتلذذ بحلاوة الإيمان، وكما أنّ المريض لا يشتهي الطعام والشراب ولا يجد لذة في طعامه وشرابه فكذلك مريض القلب لا يجد حلاوة الإيمان، وأسباب استحصال هذه الحلاوة ذكرها سيّدنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلم في قوله المبارك (ثلاث من كُنَّ فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحبّ إليه ممّا سواهما، وأنْ يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار) الإمام مسلم رحمه الله تعالى، وفي قوله عليه الصلاة والتسليم وعلى آله وصحبه المكرمين (ذَاقَ طَعْمَ الإيمانِ مَنْ رَضِيَ بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمَّدٍ رَسُولاً) الإمام مسلم رحمه الله تعالى، فرضى المؤمن بالله رضاه بما يؤمر به ورضاه بما يقدر عليه، والرضى بحضرة خاتم النبيين صلى الله تعالى وسلم عليه وآله وصحبه أجمعين كمال الانقياد له، والتسليم المطلق إليه، بحيث يكون أولى به من نفسه، والرضا بالإسلام تحكيمه في حياة المؤمن ولو خالف هواه.

ومن أسباب لذة الإيمان أيضاً مجاهدة النفس وترك المعاصي والذنوب وتدبّر القرآن الكريم والإكثار من الخلوة بالله تعالى وصحبة الصادقين، فمِنْ بركة صحبة أهل الصلاح الاقتداء بهم والتأسّي بحالهم والانتفاع بكلامهم.

وهذه الأسباب تتأكد في كلّ وقت وهي أشدّ تأكدا في شهر رمضان حيث موسم الطاعات ونزول المغفرة وصبّ الرحمة صبّا والعتق من النار في كلّ ليلة، فالتعرّض لعطاء الله في هذا الشهر المبارك أمر متأكد، قال حضرة إمام المتقين سيّدنا ومولانا محمّد المعظّم صلى عليه الباري جلّ وعلا وآله وصحبه وسلم (إنّ لربكم في أيام دهركم نفحات، فتعرضوا لها لعله أن يصيبكم نفحة منها فلا تشقون بعدها أبدا) الإمام الطبراني رحمه الله تعالى، ومن المعلوم أنّ النبيّ عليه صلاة الله تعالى وسلامه وعلى آله وصحبه لم يكن حاله في رمضان كحاله في غيره من الشهور، فقد كان برنامجه عليه أفضل الصلاة وأتمّ التسليم وعلى آله وصحبه الأكرمين في هذا الشهر المبارك مليئاً بالطاعات والقربات، وذلك لعلمه بما لهذه الأيام والليالي من فضيلة خصّها الله تبارك وتعالى بها وميّزها عن سائر أيّام العام.

وهذه نبذة من أقواله وأحواله بأبي وأمي ونفسي هو صلى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلم في شهر رمضان، بها يُزاد الإيمان ويتذوق المؤمن حلاوة الإيمان، ففي الصحيحين من حديث سيدنا أبي هريرة رضي الله تعالى عنه (أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: منْ صام رمضان إيمانا واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في “فتح الباري”: المراد بالإيمان: الاعتقاد بفرضية صومه، وبالاحتساب: طلب الثواب من الله تعالى، وقال سيّدنا رسول الله المبجّل صلى الله عزّ وجلّ وسلم عليه وآله وصحبه ومَنْ على طريقته أقبل (مَنْ قامَ رَمَضانَ، إِيماناً واحْتِساباً، غُفِرَ له ما تَقدَّم مِنْ ذَنْبِه) متفق عليه، وقال عليه الصلاة والسلام وعلى آله وصحبه الكرام (مَن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا، غُفر له ما تقدَّم من ذنبه) متفق عليه، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة) متفق عليه، (وكان إذا دخل العشر الأواخر أحيا ليله، وأيقظ أهله، وشد مئزره) الإمام البخاري رحمه الله تعالى، مجتهداً ومثابراً على العبادة والذكر (وكان صلى الله عليه وسلم يعتكف في العشر الأواخر من رمضان حتى توفّاه الله) الإمام البخاري رحمه الله تعالى، ليجتمع قلبه على ربّه عزّ وجلّ، وليتفرّغ لذكره ومناجاته، وفي العام الذي قبض فيه صلى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلم اعتكف عشرين يوما، وللاطلاع على المزيد أرجو مراجعة جواب السؤالين المرقمين (208)، (1448).

والله تعالى أعلم.