2013/07/19

السؤال:

ما صحة الحديث (لولاك ما خلقت الأفلاك)؟

 

الاسم: جودت

 

الرد:-

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

حديث (لولاك لولاك ما خلقت الأفلاك) يقول فيه الإمام العجلوني رحمه الله جلّ في علاه:-

(قَالَ الصَّغَانِيّ مَوْضُوْعٌ، وَأَقُوْلُ: لَكِنَّ مَعْنَاهُ صَحِيْحٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَدِيْثًا) كشف الخفاء (2/192).

ولقد وردت أحاديث شريفة بمعناه منها:-

أنَّ سيّدنا رسول الله صلّى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلّم قال:-

(لَمَّا اقْتَرَفَ آدَمُ الْخَطِيئَةَ قَالَ: يَا رَبِّ أَسْأَلُكَ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ لَمَا غَفَرْتَ لِي، فَقَالَ اللَّهُ: يَا آدَمُ، وَكَيْفَ عَرَفْتَ مُحَمَّدًا وَلَمْ أَخْلُقْهُ؟ قَالَ: يَا رَبِّ، لِأَنَّكَ لَمَّا خَلَقْتَنِي بِيَدِكَ وَنَفَخْتَ فِيَّ مِنْ رُوحِكَ رَفَعْتُ رَأْسِي فَرَأَيْتُ عَلَىَ قَوَائِمِ الْعَرْشِ مَكْتُوبًا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ فَعَلِمْتُ أَنَّكَ لَمْ تُضِفْ إِلَى اسْمِكَ إِلَّا أَحَبَّ الْخَلْقِ إِلَيْكَ، فَقَالَ اللَّهُ: صَدَقْتَ يَا آدَمُ، إِنَّهُ لَأُحِبُّ الْخَلْقِ إِلَيَّ ادْعُنِي بِحَقِّهِ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ وَلَوْلَا مُحَمَّدٌ مَا خَلَقْتُكَ) الإمام الحاكم رحمه الله عزّ وجلّ.

وعن سيّدنا سلمان رضي الله تعالى عنه قال:-

(حَضَرْتُ النَّبِيَّ ذَاتَ يَوْمٍ فَإِذَا أَنَا بِأَعْرَابِيٍّ جَافٍ رَاجِلٍ بَدَوِيّ قَدْ وَقَفَ عَلَيْنَا فَسَلَّمَ فَرَدَدْنَا عَلَيْهِ فَقَالَ: أَيُّكُمْ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ: أَنَا، قَالَ: لَقَدْ أَيْقَنْتُ بِكَ قَبْلَ أَنْ أَرَاكَ فَأَحْبَبْتُكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ أَلْقَاكَ، وَصَدَّقْتُ بِكَ قَبْلَ أَنْ أَرَى وَجْهَكَ، وَلَكِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْ خِصَالٍ، قَالَ: سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ، قَالَ: فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي أَلَيْسَ اللَّهُ كَلَّمَ مُوسَى؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: وَخَلَقَ عِيسَى مِنْ رُوْحِ الْقُدُسِ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: وَاتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا وَاصْطَفَى آدَمَ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي أَيُّ شَيْءٍ أُعْطِيتَ مِنَ الْفَضْلِ؟ فَأَطْرَقَ فَهَبَطَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُقْرِئُكَ السَّلامَ وَهُوَ يَسْأَلُكَ عَمَّا هُوَ أَعْلَمُ بِهِ مِنْكَ حَبِيبِي لِمَ أَطْرَقْتَ، ارْفَعْ رَأْسَكَ وَرُدَّ عَلَى الأَعْرَابِيِّ جَوَابَهُ، قَالَ: أَقُولُ مَاذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: اللَّهُ يَقُولُ إِنْ كُنْتُ اتَّخَذْتُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا فَقَدِ اتَّخَذْتُكَ مِنْ قَبْلُ حَبِيبًا، وَإِنْ كُنْتُ كَلَّمْتُ مُوسَى فِي الأَرْضِ فَقَدْ كَلَّمْتُكَ وَأَنْتَ مَعِي فِي السَّمَاءِ، وَالسَّمَاءُ أَفْضَلُ مِنَ الأَرْضِ، وَإِنْ كُنْتُ خَلَقْتُ عِيسَى مِنْ رُوحِ الْقُدُسِ فَقَدْ خَلَقْتُ اسْمَكَ قَبْلَ أَنْ أَخْلُقَ -الخَلْقَ- بِأَلْفَيْ سَنَةٍ، وَلَقَدْ وَطِئْتَ فِي السَّمَاءِ مَوْطِئًا لَمْ يَطَأْهُ أَحَدٌ قَبْلَكَ، وَلم يَطَأْهُ أَحَدٌ بَعْدَكَ، وَإِنْ كُنْتُ قَدِ اصْطَفَيْتُ آدَمَ فَقَدْ خَتَمْتُ الأَنْبِيَاءَ، وَلَقَدْ خَلَقْتُ مِائَةَ أَلْفِ نَبِيّ وَأَرْبَعَة وَعِشْرُونَ أَلْفَ نَبِيٍّ مَا خَلَقْتُ خَلْقًا أَكْرَمَ عَلَيَّ مِنْكَ، وَلَقَدْ أَعْطَيْتُكَ الْحَوْضَ وَالشَّفَاعَةَ وَالنَّاقَةَ وَالْقَضِيبَ وَالْمِيزَان وَالْوَجْهَ الأَقْمَرَ وَالْجَمَلَ الأَحْمَرَ وَالتَّاجَ وَالْهِرَاوَةَ وَالْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ وَالْقُرْآنَ، وَفَضَلَ شَهْرِ رَمَضَانَ والشفاعة كُلُّهَا لَكَ حَتَّى ظِلُّ عَرْشِي فِي الْقِيَامَةِ عَلَى رَأْسِكُ مَمْدُودٌ، وَتَاجُ الْمُلْكِ عَلَى رَأْسِكَ مَعْقُودٌ، وَلَقَدْ قَرَنْتُ اسْمَكَ مَعَ اسْمِي فَلا أُذْكَرُ فِي مَوْضِعٍ حَتَّى تُذْكَرَ مَعِي، وَلَقَدْ خَلَقْتُ الدُّنْيَا وَأَهْلَهَا لأُعَرِّفَهُمْ كَرَامَتَكَ عَلَيَّ وَمَنْزِلَتَكَ عِنْدِي، وَلَوْلاكَ مَا خَلَقْتُ الدُّنْيَا) الإمام السيوطي رحمه الله جلّ وعلا.

وعنه عليه الصلاة والسلام وآله وصحبه الكرام قال:-

(أَتَانِي جِبْرِيْلُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ لَوْلَاكَ مَا خَلَقْتُ الجَنَّةَ، وَلَوْلَاكَ مَا خَلَقْتُ النَّارَ) الإمام الدّيلَميّ رحمه الله جلّ جلاله.

وعن سيّدنا عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما قال:-

(أَوْحَى اللَّهُ إِلَى عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ يَا عِيسَى آمِنْ بِمُحَمَّدٍ وَأْمُرْ مَنْ أَدْرَكَهُ مِنْ أُمَّتِكَ أَنْ يُؤْمِنُوا بِهِ فَلَوْلَا مُحَمَّدٌ مَا خَلَقْتُ آدَمَ وَلَوْلَا مُحَمَّدٌ مَا خَلَقْتُ الْجَنَّةَ وَلَا النَّارَ وَلَقَدْ خَلَقْتُ الْعَرْشَ عَلَى الْمَاءِ فَاضْطَرَبَ فَكَتَبْتُ عَلَيْهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولٌ اللَّهِ فَسَكَنَ) الإمام الحاكم رحمه الله سبحانه.

وهذه الأحاديث لا تخلو من مقال عند المحدّثين رحمهم الله تعالى، لكنّ معناها صحيح وقد أشار إلى ذلك أهل العلم، حينما رَوَوْهُ في كتبهم في بيان فضائل سيّدنا رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه وآله وصحبه ومَنْ والاه، فهذا يدلّ على التسليم بمعناه عندهم، ومن ذلك ما قاله الملا علي القاري رحمه الله تعالى:-

(— ذَلِكَ الَّذِي أَبْلُغُ فِيهِ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ (يَوْمٌ يَنْزِلُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى كُرْسِيِّهِ): يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ كِنَايَةً عَنْ حُكْمِهِ بِالْعَدْلِ فِي يَوْمِ الْفَصْلِ قَبْلَ إِظْهَارِ الْفَضْلِ الْمُتَوَقِّفِ عَلَى شَفَاعَتِهِ – صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – إِشْعَارًا لِمَزِيدِ فَضْلِهِ عَلَى خَلْقِهِ، فَكَمَا أَنَّهُ لَوْلَاهُ أَوَّلًا لَمَا خُلِقَ الْأَفْلَاكُ وَلَا وُجِدَ الْأَمْلَاكُ، فَكَذَا لَوْلَاهُ آخِرًا لَوَقَعَ الْأَنَامُ فِي الْهَلَاكِ) مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (8/3566).

 

وما قاله الإمام الآلوسي رحمه الله تعالى في تفسيره:-

(وَمِنْ بَابِ الإِشَارَةِ فِي بَعْضِ الآيَاتِ {إنّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِيْنًا} يُشِيْرُ عِنْدَهُمْ إِلَى فَتْحِ مَكَّةَ العَمَّاء بِإِدْخَالِ الأَعْيَانِ الثَابِتَةِ ظَاهِرَة بِنُوْرِ الوُجُوْدِ فِيْهَا أَي إِظْهَارهَا لِلْعَيَانِ لِأَجْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى أَنَّ لَامَ (لَكَ) لِلْتَعْلِيْلِ وَحَاصِلُهُ أَظْهَرْنَا العَالَمَ لِأَجْلِكَ وَهُوَ فِي مَعْنَى مَا يَرْوُوْنَهُ مِنْ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: لَوْلَاكَ لَوْلَاكَ مَا خَلَقْتُ الأَفْلَاكَ) روح المعاني (13/281).

ويقول الإمام الرازي رحمه الله تعالى في تفسيره لقوله عزّ شأنه:-

{أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى} [سورة الضحى: 6]:-

(كُنْتَ صَبِيًّا ضَعِيفًا مَا تَرَكْنَاكَ بَلْ رَبَّيْنَاكَ وَرَقَّيْنَاكَ إِلَى حَيْثُ صِرْتَ مُشْرِفًا عَلَى شُرُفَاتِ العرش وقلنا لك: لو لاك مَا خَلَقْنَا الْأَفْلَاكَ، أَتَظُنُّ أَنَّا بَعْدَ هَذِهِ الْحَالَةِ نَهْجُرُكَ وَنَتْرُكُكَ؟) مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير (31/196).

وقال الشيخ ابن تيمية رحمه الله تعالى:-

(وَقَدْ ظَهَرَ فَضْلُ نَبِيِّنَا عَلَى الْمَلَائِكَةِ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ لَمَّا صَارَ بِمُسْتَوَى يُسْمَعُ فِيهِ صَرِيفُ الْأَقْلَامِ؛ وَعَلَا عَلَى مَقَامَاتِ الْمَلَائِكَةِ؛ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَظْهَرَ مِنْ عَظِيمِ قُدْرَتِهِ وَعَجِيبِ حِكْمَتِهِ مِنْ صَالِحِي الْآدَمِيِّينَ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ مَا لَمْ يَظْهَرْ مِثْلُهُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ حَيْثُ جَمَعَ فِيهِمْ مَا تَفَرَّقَ فِي الْمَخْلُوقَاتِ. فَخَلَقَ بَدَنَهُ مِنْ الْأَرْضِ وَرُوحَهُ مِنْ الْمَلَأِ الْأَعْلَى وَلِهَذَا يُقَالُ: هُوَ الْعَالَمُ الصَّغِيرُ وَهُوَ نُسْخَةُ الْعَالَمِ الْكَبِيرِ. وَمُحَمَّدٌ سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ. وَأَفْضَلُ الْخَلْقِ وَأَكْرَمُهُمْ عَلَيْهِ وَمِنْ هُنَا قَالَ مَنْ قَالَ: إنَّ اللَّهَ خَلَقَ مِنْ أَجْلِهِ الْعَالَمَ أَوْ إنَّهُ لَوْلَا هُوَ لَمَا خَلَقَ عَرْشًا وَلَا كُرْسِيًّا وَلَا سَمَاءً وَلَا أَرْضًا وَلَا شَمْسًا وَلَا قَمَرًا. لَكِنْ لَيْسَ هَذَا حَدِيثًا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا صَحِيحًا وَلَا ضَعِيفًا وَلَمْ يَنْقُلْهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ وَلَا يُعْرَفُ عَنْ الصَّحَابَةِ بَلْ هُوَ كَلَامٌ لَا يُدْرَى قَائِلُهُ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُفَسَّرَ بِوَجْهِ صَحِيحٍ كَقَوْلِهِ {سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} وَقَوْلُهُ {وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} وَأَمْثَالُ ذَلِكَ مِنْ الْآيَاتِ الَّتِي يُبَيِّنُ فِيهَا أَنَّهُ خَلَقَ الْمَخْلُوقَاتِ لِبَنِي آدَمَ وَمَعْلُومٌ أَنَّ لِلَّهِ فِيهَا حِكَمًا عَظِيمَةً غَيْرَ ذَلِكَ، وَأَعْظَمَ مِنْ ذَلِكَ وَلَكِنْ يُبَيِّنُ لِبَنِي آدَمَ مَا فِيهَا مِنْ الْمَنْفَعَةِ وَمَا أَسْبَغَ عَلَيْهِمْ مِنْ النِّعْمَةِ. فَإِذَا قِيلَ: فَعَلَ كَذَا لِكَذَا لَمْ يَقْتَضِ أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ حِكْمَةٌ أُخْرَى. وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْقَائِلِ: لَوْلَا كَذَا مَا خُلِقَ كَذَا لَا يَقْتَضِي أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ حِكَمٌ أُخْرَى عَظِيمَةٌ بَلْ يَقْتَضِي إذَا كَانَ أَفْضَلُ صَالِحِي بَنِي آدَمَ مُحَمَّدٌ وَكَانَتْ خِلْقَتُهُ غَايَةً مَطْلُوبَةً وَحِكْمَةً بَالِغَةً مَقْصُودَةً أَعْظَمَ مِنْ غَيْرِهِ صَارَ تَمَامَ الْخَلْقِ وَنِهَايَةَ الْكَمَالِ حَصَلَ بِمُحَمَّدِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَاَللَّهُ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ آخِرُ الْخَلْقِ يَوْمَ الْجُمْعَةِ وَفِيهِ خُلِقَ آدَمَ وَهُوَ آخِرُ مَا خُلِقَ خَلَقَ يَوْمَ الْجُمْعَةِ بَعْدَ الْعَصْرِ فِي آخِرِ يَوْمِ الْجُمْعَةِ. وَسَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ هُوَ مُحَمَّدٌ – صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – آدَمَ فَمَنْ دُونَهُ تَحْتَ لِوَائِهِ – قَالَ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إنِّي عِنْدَ اللَّهِ لَمَكْتُوبٌ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ وَإِنَّ آدَمَ لَمُنْجَدِلٌ فِي طِينَتِهِ) أَيْ كُتِبَتْ نُبُوَّتِي وَأُظْهِرَتْ لَمَّا خُلِقَ آدَمَ قَبْلَ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ كَمَا يَكْتُبُ اللَّهُ رِزْقَ الْعَبْدِ وَأَجَلَهُ وَعَمَلَهُ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ إذَا خُلِقَ الْجَنِينُ قَبْلَ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ. فَإِذَا كَانَ الْإِنْسَانُ هُوَ خَاتَمُ الْمَخْلُوقَاتِ وَآخِرُهَا, وَهُوَ الْجَامِعُ لِمَا فِيهَا وَفَاضِلُهُ هُوَ فَاضِلُ الْمَخْلُوقَاتِ مُطْلَقًا وَمُحَمَّدٌ إنْسَانُ هَذَا الْعَيْنِ؛ وَقُطْبُ هَذِهِ الرَّحَى وَأَقْسَامُ هَذَا الْجَمْعِ كَانَ كَأَنَّهَا غَايَةُ الْغَايَاتِ فِي الْمَخْلُوقَاتِ فَمَا يُنْكَرُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ لِأَجْلِهِ خُلِقَتْ جَمِيعهَا وَإِنَّهُ لَوْلَاهُ لَمَا خُلِقَتْ، فَإِذَا فُسِّرَ هَذَا الْكَلَامُ وَنَحْوُهُ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ قَبْلَ ذَلِكَ) مجموع الفتاوى (11/96).

والمراد مِنْ أنّ معناه صحيح، أنّ الله تبارك اسمه بيّن أنّ الغاية من إرادته لخلق الخلق هي أنْ يُعْرَفَ مِنْ قِبَلِ مخلوقاته وتحقيق العبودية له عزّ وجلّ، فقال سبحانه:-

{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [سورة الذاريات: 56].

فكان في علم الله تعالى أنَّ الغاية من خلق الخلق (العبادة) ستتحقق وأنّ الدِّين سيتمّ كما يريد جلّ وعلا في بعثة خاتم النبيّين سيّدنا محمّد عليه الصلاة والتسليم وآله وصحبه أجمعين، قال عزّ من قائل:-

{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [سورة المائدة: 3].

فقدّر الله عزّ وجلّ خلق الخلق وإيجاد الوجود، وإلّا فلو لمْ يتحقق مراد الله سبحانه لمَا كان هناك داعٍ من خلق الخلق، لا سيما وأنَّ الله جلّ جلاله جعل تحقيق ذلك متعلقًا بإرادة المخلوق ورتّب على أساس ذلك الجزاءَ والعقابَ لذا خلق الجنّة والنار، قال جلّ ذكره:-

{وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [سورة الكهف: 29].

وإلّا فإنّ الله عزّ شأنه قادر على أنْ يجعل كلّ مخلوق عبدًا له شاء أم أبى فهو القائل:- {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [سورة سيّدنا يونس عليه السلام: 99].

وقوله سبحانه:-

{لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا} [سورة الرعد: 31].

والله تبارك اسمه أعلم.

وصلّى الله تعالى وبارك وسلّم على سيّدنا محمّد، وعلى آله وصحبه أهل الفضل والمجد.