الرسالة:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

 

نسأل الله تعالى أنْ تكونوا بألف خير وصحة حضرة شيخنا وذخرنا .. أدامكم الله ذخرا لهذه الأمة سؤالي حضرة الشيخ حول هذه الآية الكريمة {وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ} جزء من الآية 50 من سورة الأحزاب، فما هو وجه إفراد (العم والخال)، وجمع (العمة والخالة) في الآية الكريمة؟ وجزاكم الله خيرا.

 

الاسم: عبد الحكيم العاني

الرد:

وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته.

قال نبيّنا المعّظم سيّدنا محمّدٌ المكرَّم صلى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلّم عن القرآن الكريم (…ولا تنقضي عجائبه…) الإمام الترمذي رحمه الله تعالى.

ذكر العلماء رضي الله تعالى عنهم وعنكم أسبابا لهذا الجمع والإفراد والذي يلوح لي أن أحسنَها:

1-   إِنَّ لفظ (الْعَمَّ) اسْمُ جِنْسٍ لأنّه في استعمال كلام العرب يُطلق على أخ الأب ويطلق على أخ الجد وأخ جد الأب وهكذا فهم يقولون هؤلاء بنو عمٍ أو بنات عمٍ إذا كانوا لعمٍّ واحد أو لعدة أعمام ويفهم المراد مِنَ القرائن.

أمّاَ الْعَمَّةُ فوَاحِدَةٌ وَلِأَجْلِ التَّاءِ الَّتِي فِيهَا جُمِعَتْ حتى لا يَتَوَهُّمَ أحدٌ أَنَّ الْمقصود وَاحِدَةٌ فَقَط لأنّ لفظ (العمّة) لا يراد به الجنس في كلامهم، فإذا قالوا هؤلاء بنو عمّة أرادوا أنّهم بنو عمّةٍ مقصودةٍ معينةٍ، فجيء في الآية بجمع العمّة، امّا َالْعَمُّ فلَمَّا كَانَ اسْمَ جِنْسٍ لَمْ يَحْتَجْ إلَى أنْ يدَفْعَ هَذَا التَّوَهُّم وكذلك الحال بالنسبة لإفراد الخال وجَمْعِ الخالة.

2-   الفرق بين العمّ والعمّة في أُصول فروعهما، بمعنى أنّ أبناء الأعمام يعودون لجَدٍ واحد وبالتالي لنسبٍ واحدٍ، أمّا أبناء العمّات فإنّهم يعودون في النسب لأزواج العمّات، وأزواج العمات غالباً ما يكونون من قبائل وعشائر مختلفة، وبالتالي فإنّ الأصول تختلف، ولذا قال وبنات عمّاتك، للإشارة  لهذا الاختلاف في النسب، فبنات العمّات يعُدْنَ لأصول مختلفة مما جعل الآية تجمع العمّات ولا تفرد، بخلاف بنات الأعمام فإنّهنّ يعُدْنَ لأصل واحدٍ ولذا أفرد ولم يَجمعْ، وكذلك يقال في بنات الخال وبنات الخالات، ومما يؤكد ذلك قول ربُنا تعالى {…بُيُوتِ أَعْمَامِكُم أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ…} [النور/61 ]، فإنّها تتحدث عن جواز الأكل من بيوتٍ متعددٍة، فتعدّد البيوت المأكول منها هو المقصود في هذا السياق، بخلاف سياق آية الأحزاب، فإنّها في سياق الحديث عن الزواج، والذي يُلاحَظُ في أمر الزواج النظر إلى النسب، ولهذا فالمناسب الإفراد باعتبار النسب الواحد، والجمع باعتبار تعدّد الأنساب، وهذا يدلّ على أهمية السياق في معرفة موضوعات الآيات ودقائقها لعدم الوقوع في اللبس.

ولمزيد مِنَ التفصيل يرجى مراجعة كتب التفسير مثل: فتح القدير للإمام الشوكاني رحمه الله تبارك وتعالى، ورسالة بعنوان بَذْلُ الْهِمَّةِ فِي إفْرَادِ الْعَمِّ وَجَمْعِ الْعَمَّةِ للإمام تقي الدين السبكيّ عليه سحائب رحمة الربّ العلي, وصلى الله تعالى على خيرِ مَنْ وَصَلَ الأرحام وكفَلَ الأراملَ والأيتامَ سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه الرحماء الكرام.

والله أعلم بأسرار كتابه.