2013/09/06

مشاركة من فضيلة الشيخ أحمد الآلوسي جزاه الله تعالى خيراً.

 :: حكم صلاة تحية المسجد حال إقامة الصلاة ::

الرسالة:

حكم صلاة تحية المسجد حال إقامة الصلاة.

الحمد لله والصلاة والسلام على سيّدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.

وبعد:

فإنّ المشروع لمَنْ دخل المسجد أنْ يصلي تحية المسجد ركعتين قبل أنْ يجلس، لقول النبيّ صلى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلم: (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين) الإمام البخاري رحمه الله تعالى.

واستثني من ذلك أوقات الكراهة لحَدِيث سيدنا عقبَة بن عامر: (ثَلَاث أَوْقَات نَهَانَا رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم أَنْ نصلي فِيهَا وَأَن نقبر فِيهَا مَوتَانا عِنْد طُلُوع الشَّمْس حَتَّى ترْتَفع وَعند زَوَالهَا حَتَّى تَزُول وَحين تضيف للغروب) الإمام مُسلم رحمه الله تعالى.

وهذه الأوقات منهي عنها عند السادة الأحناف رضي الله تعالى عنهم وعنكم، أمّا السادة الشافعية فيجوزن الصلاة فيها إذا كانت ذات سبب ومنها صلاة تحية المسجد.

فإذا دخل المصلي المسجد وأراد أنْ يصلي التحية فلا يخلو ذلك من حالتين:

الحالة الأولى: أنْ يبدأ بالتحية وقد أقيمت الصلاة أو بدأ الإمام في صلاته.

الحالة الثانية: أنْ يصلي التحية ثمّ تقام الصلاة أثنائها.

أما في الحالة الأولى وهي أنْ يبدأ بالتحية وقد أقيمت الصلاة أو بدأ الإمام في صلاته فلا يجوز أنْ يصلي التحية إذ أنّ المسلم منهي عن الصلاة وقت إقامة الصلاة المكتوبة كما ثبت في حديث سيّدنا أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنّ النبي صلى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلم قال: (إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة) الإمام مُسلم رحمه الله تعالى.

وقد استدل كثير من العلماء بهذا الحديث على كراهة الإتيان بنافلة حال إقامة الصلاة، قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: (قال الشافعي والأصحاب: إذا أقيمت الصلاة كره لكلّ مَنْ أراد الفريضة افتتاح نافلة، سواء كانت سنة راتبة لتلك الصلاة، أو تحية مسجد، أو غيرهما لعموم هذا الحديث).

أما في الحالة الثانية: بأنْ يشرع المصلي بالتحية فتقام الصلاة أثناءها فإنْ غلب على ظنّه أنه يدرك تكبيرة الإحرام بعد الإمام مباشرة فلا يقطع صلاته بل يتمّها كما لو كان في الركعة الثانية أو في نهايتها، وإنْ غلب على ظنّه أنّه لا يدرك تكبيرة الإحرام بعد الإمام مباشرة فله قطعها كما لو كان في الركعة الأولى لقوله صلى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلم: (مَنْ أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) الإمام البخاري رحمه الله تعالى.

وقد تكلم العلماء في مَنْ كان يصلي النافلة، ثمّ أقيمت صلاة الجماعة على أقوال:

فقد قال الشافعية والحنابلة: إنْ لم يخش فوات الجماعة بسلام الإمام فإنه يتم النافلة، ولا يقطعها؛ لقوله تعالى: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} سورة محمد عليه الصلاة والسلام/ 33، ثمّ يدخل في الجماعة.

وقال المالكية: (إنْ لم يخش فوات ركعة بإتمام النافلة بأنْ تحقق أو ظنّ أنه يدرك الإمام في الركعة الأولى عقب إتمام ما هو فيه أتمها، ثمّ دخل مع الجماعة).

أما إنْ خشي فوات الجماعة – كما يقول الشافعية والحنابلة – أو خشي فوات ركعة – كما يقول المالكية فإنّه يقطع النافلة وجوبا عند المالكية، وندبا في غير الجمعة عند الشافعية، ووجوبا في الجمعة “أي إنْ كانت التي يصليها الإمام هي الجمعة”، وعند الحنابلة روايتان حكاهما ابن قدامة رحمه الله تعالى:

إحداهما: يتم النافلة.

والثانية: يقطعها، لأنّ ما يدركه من الجماعة أعظم أجرا وأكثر ثوابا ممّا يفوته بقطع النافلة؛ لأنّ صلاة الجماعة تزيد على صلاة الرجل وحده سبعا وعشرين درجة.

أما الحنفية: فلم يقيّدوا القطع أو الإتمام بإدراك الجماعة، أو عدم إدراكها؛ لأنّ الشروع في النافلة عندهم يجعلها واجبة، ولذلك يقولون: الشارع في نفل لا يقطع مطلقا إذا أقيمت الجماعة وهو في صلاة النافلة، بل يتمّه ركعتين، وإذا كان في سنة الظهر، أو سنة الجمعة، إذا أقيمت الظهر، أو خطب الإمام، فإنه يتمّها أربعا على القول الراجح؛ لأنها صلاة واحدة.

ونقل ابن عابدين عن الكمال رحمهما الله تعالى في فتح القدير ما نصه: (وقيل: يقطع على رأس الركعتين في سنة الظهر والجمعة، وهو الراجح؛ لأنه يتمكن من قضائها بعد الفرض، وهذا حيث لم يقم إلى الركعة الثالثة، أمّا إنْ قام إليها وقيّدها بسجدة ففي رواية النوادر يضيف إليها رابعة ويسلِّم، وإنْ لم يقيّدها بسجدة فقيل: يتمّها أربعا ويخفّف القراءة، وقيل: يعود إلى القعدة ويسلّم، وهذا أشبه، قال في شرح المنية: والأوجه أنْ يتمّها).

وقالت طائفة: إذا وجد الإمام في الفجر ولم يكن صلى سنتها يخرج إلى خارج المسجد فيصليها، ثمّ يدخل فيصلي معه الفريضة…

وقال الإمام مالك رحمه الله تعالى مثله إنْ لم يخف فوات الركعة، فإنْ خافه صلى مع الإمام.

وقال سعيد بن عبد العزيز وأبو حنيفة رحمهما الله تعالى: (إنْ طمع أنْ يدرك صلاة الإمام صلاهما في جانب المسجد، وإلا فليحرم معه) المجموع ( 4/ 109) وانظر المغني ( 1/498) والتمهيد لابن عبد البر ( 22/70) ومواهب الجليل ( 2/ 89)، و شرح فتح القدير لابن عبد الواحد (1/477).

لأنّ ما دون الركعة ليس له حكم الصلاة، ولا تتم الركعة حتى يقيّدها بسجدة .

والحاصل أنّ النهي قد ثبت عن ابتداء نافلة من حين إقامة الصلاة، ومن العلماء مَنْ حمل النهي على الكراهة، ومنهم مَنْ حمله على التحريم، ومنهم مَنْ قيّد النهي بما إذا خيف فوات ركعة.

أما كيفية قطع النافلة إذا أقيمت الفريضة فتكون بالسلام على الرأي الراجح من أقوال العلماء رضي الله تعالى عنهم وعنكم، والله تعالى أعلم.

الرد:

جزاك الله عزّ وجلّ خيرا على هذه المشاركة الطيبة، وأسأله جلّ وعلا أنْ تكون نافعة وللخير جامعة وللفرقة دافعة إنه سبحانه وتعالى أكرم المسؤولين ومجيب السائلين.