2013/09/14

السؤال:

السلام عليكم حضرة شيخنا سعد الله ودمتم برعاية الله وحفظه ولي سؤال: هل الكافر الذي يموت مثلا في زمن نوح والذي يموت قبل يوم القيامة بيوم مثلا يجعل الله عذابهما في القبر زمن ومدة متساوية؟ وجزاكم الله عنّا كل خير.

 

الاسم: محمد خليل الراوي

الرد:

وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته، جزاك الله عزّ وجلّ خيرا على دعواتك الكريمة وأدعو لك بمثلها.

قبل الإجابة على سؤالك أودّ أنْ أنبّه جنابك الكريم إلى ضرورة توقير حضرات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام واحترامهم بما يليق بمرتبتهم ومنزلتهم عند التشرّف بذكر أسمائهم فلا يصحّ أنْ نقول (نوح) هكذا بل ينبغي أنْ نقول (سيّدنا نوح عليه السلام) أو (سيّدنا نوح عليه الصلاة والسلام).

قال مالكُ الملكِ ومدبرُ أمرِه العليمُ الذي يعلم بكلِ شيءٍ سرِهِ وجهرِه {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِيِنَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم عليه الصلاة والسلام / 27].

اعلم وفقك الله سبحانه لطاعته أنّ أمورَ الغيب يجبُ الإيمان بما صح لنا منها سواءاً أدركناه بالعقل أم لا، وما يستحقه الإنسان من العذاب في القبر سيناله قطعا بقدرة الله تعالى الذي لا يعجزه شيء، ولا دخل لمدّة اللبث في القبر بمدّة العذاب.

والانشغال بما أراده الله عزّ وجلّ مِنَ الإيمان بالغيب، وأنْ يكون دافعاً للعمل بطاعته جلّ جلاله وعمّ نواله أفضل.

في ظُلْمَةِ القبــــــرِ لا أُمٌّ هنــاك ولا                      أَبٌ شَفـيقٌ ولا أَخٌ يُؤَنِّسُـــــنــــــي

فَرِيدٌ .. وَحِيدُ القبرِ، يــا أَسَفــــــــــا                      عَلى الفِراقِ بِلا عَمَلٍ يُزَوِّدُنــــــي

وَهالَني صُورَةً في العينِ إِذْ نَظَرَتْ                      مِنْ هَوْلِ مَطْلَعِ ما قَدْ كان أَدهَشَني

مِنْ مُنكَرٍ ونكيرٍ مـا أَقولُ لـــــهــــم                      قَدْ هــَالَني أَمْرُهُمْ جِداً فَأَفْزَعَنــــي

وَأَقْعَدوني وَجَدُّوا في سُؤالِــــــــهـِـمُ                      مَـالِي سِوَاكَ إِلهـي مَنْ يُخَلِّصُنِـــي

فَامْنُنْ عَلَيَّ بِعَفْوٍ مِنك يــا أَمَـــــلــي                      فَإِنَّني مُوثَقٌ بِالذَّنْبِ مُرْتَهـــــــــــَنِ

والله جلّ وعلا جعل لنا حياة نعيشها، وحياة أخرى وعدنا بها وهناك فاصل بين الحياتين وهي فترة البرزخ.

وحياة البرزخ تختلف مِنْ فردٍ إلى آخر، كلٌّ حسب عمله، ولكن انعدام الشعور بالزمن هو الذي يجعل فترة البرزخ متساوية، وقد دلّت النصوص على أنّ الموتى لا يشعرون بمضيّ الزمن، منها قول المحيي المميت جلّ ثناؤه {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِـي هَـَذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة/259 ]، وقال خالق الخلق تقدّست أسماؤه {قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ  قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلا قَلِيلا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [المؤمنون/ 112-114]، وانظر إلى الإنسان في عالم الوفاة الصُغرى أعني النوم المليء بالعجائب، ذلك العالم الذي جعله الله تبارك اسمه أنموذجاً مصغراً لعالم الوفاة الكبرى أعني الموت، بل جعله قسيماً له بالوفاة، قال قابض الأرواح وباسطها تباركت ذاته العلية {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الزمر/42]، فحين ينام الإنسان ثمّ يستيقظ، فهو لا يشعر بزمن نومه وقد قصّ الله تعالى علينا قصة أصحاب الكهف فقال سبحانه مشيراً إلى هذه الحقائق {وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءلُوا بَيْنَهُم قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُم قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْم قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُم فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَاماً فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً} [الكهف : 19]، مَعَ أنّ الله عزّ وجلّ أخبر عَنْ مدة لبثهم فقال {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً} [الكهف/ 25]، ولو سرَدْتَ رؤيا رأيتَها في منامك فإنّك قد تستغرق زمناً لرواية تفاصيلها التي تكون أكثر مِنْ زمنِها، وممّا تجدرُ الإشارة إليه هنا أنّ العديد من التقارير العلمية أكّدَتْ أنّ الوقت الذي يلزم لمشاهدة هكذا رؤيا في المنام هو ثوانٍ معدودة، وقد ينام شخصان ويستغرقان زمناَ واحداَ في نومهما لكنّ تفاصيل رؤياهما تختلف زمناً، فربط الزمن بالحدث هو الذي يشعرنا بالزمن، فلو جاء حدث يشغلك عن تتبع الزمن فإنّك تجدُ الزمن قد مرّ سريعًا، دون أنْ تشعر به، وإنْ جاء حدثٌ عصيبٌ فإنّهُ يُعطيك شعورًا بطول الزمن حيث اللحظات كأنّها سنينٌ، فلا يشعر بالزمن إلا مَنْ تتبعه ولذلك يعبّر الحق عزّ كماله عن ذلك قائلاً {كأنّهُم يومَ يَرونَها لَمْ يَلبَثَوا إلا عَشيةً أوْ ضُحاها} [النازعات/ 46].

وقد أحسن من قال:

مرّت سنين بالوصال وبالـهـنا                               فكأنّها من قِصرها أيــامُ

ثمّ انـثـنـت أيـام هـجـر بـعـدها                               فكأنّها من طولها أعوامُ

ثمّ انقضت تلك السنون وأهلها                               فكأنّـها وكأنّـهم أحـــلامُ

وصلى الله تعالى على أكملِ الناسِ إيماناً بالغيب، مَنْ جَلَى الله عز وجل به عَنِ القلوبِ الشكّ والرَيب وعلى آلهِ وصَحْبِهِ المُبَرَؤنَ مِنَ العَيب.

والله سبحانه وتعالى أعلم.