2013/09/27

السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

سيّدي وشيخي وأستاذي الفاضل بداية أنقل لكم أشواقي وأشواق كلّ المحبين والإخوان في بغداد ونسأل الله تكون والأهل كافة بصحة وعافية، ونسأل الله العلي العظيم أن يجزيكم عنا خير الجزاء، وأني أحبك في الله وأسأله تعالى أنْ يجمعنا تحت لواء سيّد المرسلين محمّد صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين.آمين

شيخي الفاضل: أحمد الله أني سأكون أحد حجاج بيت الله الحرام لهذا العام وسؤالي هو أنّ الله قد ابتلاني بإصابة بالخثرة في الأوردة العميقة للساقين والقدمين وهذا منذ ما يقارب الـ 20 سنة والعلاج الذي نصحني به الأطباء منذ ذلك الحين ولحد يومنا هذا بالإضافة إلى الأدوية المزمنة هو لبس نوع الجواريب الطبية الضاغطة طوال اليوم منذ اﻻستيقاظ صباحا وحتى النوم وبخلافه فإني أعرِّض نفسي للمضاعفات وعليه فإنّ سؤالي: هل بالإمكان لبس الجورب الطبي مع الإحرام وأداء المناسك به؟ وبخلافه، بِمَ تنصحني شيخي الفاضل؟ ودمتم.

الاسم: احمد عبد الكريم

الرد:

وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته، أشكرك على دعواتك الكريمة ومشاعرك النبيلة وأسأله جلّ وعلا أنْ يجعلنا من المتحابين فيه ليظلنا تحت ظله يوم لا ظلّ إلا ظله إنه سبحانه سميع مجيب.

قال قدوة الحجاج والعمّار سيّدنا محمّد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وصحبه وسلم عن المُحرِم (لايَلْبَسُ الْقُمُصَ, وَلا الْعَمَائِمَ, وَلا السَّرَاوِيلاتِ, وَلا الْبَرَانِسَ, وَلا الْخِفَافَ, إلاَّ أَحَدٌ لا يَجِدُ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَس الْخُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ, وَلا يَلْبَسْ مِنْ الثِّيَابِ شَيْئاً مَسَّـهُ زَعْفَرَانٌ أَوْ وَرْسٌ، وَلا تَنْتَقِبِ الْمَرْأَةُ وَلا تَلْبَسِ الْقُفَّازَيْنِ) الإمام البخاري رحمه الله تعالى.

ففاعل المحظورات في الإحرام له ثلاث حالات:

الأولى: أنْ يفعل المحظور بلا عذر ولا حاجة، فهذا آثم وعليه الفدية.

الثانية: أنْ يفعل المحظور لحاجة إلى ذلك فله فعل المحظور ولا إثم عليه, وعليه الفدية.

الثالثة: أنْ يفعل المحظور وهو معذور إمّا جاهلاً أو ناسياً أو مكرهاً فلا إثم عليه، وهل عليه فدية؟ هذه فيها خلاف بين العلماء رضي الله تعالى عنهم وعنكم.

وما ذكرته في السؤال ينطبق عليه حُكم الحالة الثانية لقول ربّ البيت الحرام تعالى وتقدّس في فدية الحَلْق {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة/196], قال الشيخ زكريا الأنصاري رحمه الله عزّ وجلّ (من لبس في الإحرام ما يحرم لبسه به أو ستر ما يحرم ستره فيه لحاجة حر أو برد أو مداواة أو نحوها جاز وفدى كما في الحلق لذلك بجامع الترفه الحاصل بكل منهما) وقد بيّنت السُنّة الإجمال في الآية, فعَنْ سيّدنا كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رضي الله تعالى عنه قَالَ (أَتَى عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَأَنَا أُوقِدُ تَحْتَ بُرْمَةٍ لِي, وَالْقُمَّلُ يَتَسَاقَطُ عَلَى وَجْهِي, فَقَالَ: أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّ رَأْسِكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ, قَالَ: فَاحْلِقْ, وَصُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ أَوِ انْسُكْ نَسِيكَةً) الإمام البخاري رحمه الله عزّ وجلّ، وفي رواية أخرى عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وصحبه وسلم (فقال: ما كنت أرى الوجع بلغ بك ما أرى، أتجد شاة؟ قلت: لا، قال: فصم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين لكلّ مسكين نصف صاع) متفق عليه.

وبهذا يُعلَم أنّ لبس الجورب المذكور جائز ما دامت الحاجة داعية إليه، وتلزم في لبسه الفدية وهي على التخيير بين صيام ثلاثة أيام، وإطعام ستة مساكين، لكلّ مسكين نصف صاع (أي ما يعادل 1,625 كيلوا غرام تقريبا – خروجا من الخلاف وإبراءً للذمّة – من غالب قوت البلد) أو ذبح شاة، وصلى الله تعالى على خير مَنْ حجّ البيت الحرام وطاف بين الركن والمقام سيّدنا مُحمّد وعلى آله وصحبه شموس الهداية ومصابيح الظلام.

والله سبحانه وتعالى أعلم.