2013/11/02

السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته حضرة الشيخ الجليل أدامكم الله لنا وللإسلام ذخرا وعزا ونصرا ونفعنا بعلومكم وبنفحات أرواحكم الزكية…

حضرة الشيخ سؤالي يقول: علمت مؤخرا أنّ صاحبا لي قد اقترض قرضا زراعيا فيه فائدة من إحدى المصارف العراقية، وأنّ القرض قد حصل قبل سنة ونصف تقريبا، ودائما ما يدعوني إلى تناول وليمة معينة، وكنت أذهب وأتناول معه ومع أصحابي الآخرين، فهل عليّ إثم فيما مضى؟ وهل إنْ دعاني مرّة أخرى أستجب؟ وجزاكم الله عنا كلّ خير حضرة الشيخ.

 

الاسم: عبد الحكيم العاني

الرد:

وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته، جزاك الله عزّ وجلّ كلّ خير على دعواتك الكريمة وأسأله سبحانه أنْ يوفقني وإياك وجميع المسلمين لخدمة هذا الدين برحمته إنه جلّ وعلا أرحم الراحمين.

استجابة الدعوة إلى طعام وما شابهه مِن حقّ المسلم على أخيه؛ قال الرحمة المهداة سيّدنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلم (حَقُّ الْمُسْلِمِ على الْمُسْلِمِ خَمْسٌ: رَدُّ السَّلَامِ، وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ) الإمام البخاري رحمه الله تعالى، وكذا مِن حقّه عليك أنْ تبذل له النصيحة الصادقة إذا ارتكب أمرا مخالفا أو مكروها في الشرع الشريف، وتذكيره بأُسلوب تظله أنوار الحكمة والرحمة، قال ربّنا جلّ جلاله وعمَّ نواله {اُدْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [النحل/125].

وقال النبيّ صلى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلم (الدين النصيحة ثلاثا، قلنا: لمَنْ يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) الإمام مسلم رحمه الله تعالى.

أمّا الأصل في التعامل مع الناس فيكون على أساس أنّ ما في أيديهم مِنْ مال وطعام ونحوه مُلك حلال لهم إلا إذا قام دليل واضح على أنّ هذا المال أو الطعام مسروق أو مغصوب أو حرام مِنْ وجهٍ ما، وإنّ تعامل صاحبك بالقروض الربوية لا يجعل ماله كله حراماً بل بعضه، فتكون أمواله مختلطة من الحلال والحرام إلا إذا كان الاستقراض الربويّ لضرورة مُلحّة فتبقى الأموال حلالا خالصا، وقد أقرّ أهل الذكر رضي الله تعالى عنهم وعنكم بجواز التعامل مع مَنْ كانت أمواله كذلك، وعليه فلا بأس عليك فيما أكلت من طعام صاحبك فيما مضي وفيما يأتي من قابل الأيام.

ولقد أرشد النبيّ الكريم عليه من الله تعالى أفضل صلاة وتسليم وآله وصحبه أجمعين إلى مصاحبة المؤمن وأنْ لا يأكل طعامك إلا تقيّ، وكذا أنْ تأكل طعام الصالحين والمتقين من الأصحاب والمحبين، فقال بأبي وأمي ونفسي جنابه الكريم (لا تُصَاحِبْ إِلا مُؤْمِنًا وَلا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلا تَقِيٌّ) الإمام ابن حبان رحمه الله تعالى.

وقوله (لا يأكل طعامك إلا تقي) يريد به المواكلة التي توجب الألفة وتؤدي إلى الخلطة؛ فإنّ المواكلة أوكد أسباب الألفة وأحكم دواعي الخلطة وأوثق  عرى المداخلة والاستئناس، ومخالطة مَنْ ليس بتقي والاستئناس به والألفة معه تغرّ الإنسان وتوقع في الشبهات وتؤدي إلى تناول المحرمات، وتخلّ بالدين وتُذهب المروءة. بحر الفوائد المشهور بمعاني الأخبار (1/244).

فإنْ تحرّى المسلم الحلال الكامل كان ذلك أدعى إلى الورع وأحفظ للدّين لِمَنْ استطاع ذلك وقدر عليه.

والله تعالى أعلم.