2013/11/29

السؤال:

إلى الشيخ الفاضل ..السلام عليكم ورحمة الله، استدان زوجي مبلغا من المال من مصرف أهلي بسبب حاجة ملحة نزلت به ولم يجد من يغيثه وحالتنا ضعيفة فاضطر إلى اقتراض مبلغ مليون دينار من إحدى المصارف اﻷهلية ولم يستطع التسديد ﻷنه ليس لديه عمل ثابت يقوم به، فرزقه يومي، ظرفنا صعب بالإضافة إلى تعرضه لحادثة مرورية على الطريق السريع أدّت إلى تأخّر السداد وقد فوجئنا بتضاعف المبلغ أضعافا وكذلك إضافة مبالغ ليست بالقليلة عن كلّ يوم تأخير ونحن في حالة يرثى لها والنظام قاس ولا يرحم وقد أنفقنا كلّ ما لدينا للتسديد إلا أنّ ذلك لم يف بالغرض، ماذا نفعل وكلّ يوم يمرّ يزداد همّنا ولله المشتكى ولا نجد من يكفله علما أنّ هذا المصرف في الموصل.

 

الاسم: فرح الشمري

الرد:

وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته.

وبعد: فلقد وجّه الحقّ تعالى المؤمنين إلى التكافل والتعاون؛ قال سبحانه {— وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [سورة المائدة/من الآية 2]، وقال أيضا {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ —} [سورة الحجرات/من الآية10]، وقال الرحمة المهداة صلى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلم (مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى) الإمام مسلم رحمه الله تعالى، ومِنَ المؤسف حقا أنْ لا يجد المسلم في بلده الإسلامي مَنْ يعينه ويسدَّ حاجته كما تقولين، وقد يكون ما تفضلتم به مبالغا فيه أو أنكم لم تتخذوا الأسباب الكافية لذلك؛ فالخير في أمّة الإسلام لا زال موجودا، وهو كثير بإذنه تعالى، والحمد لله رب العالمين، وعلى وجه الخصوص في بلد النبيّ الصالح سيّدنا يونس عليه وعلى نبيّنا أفضل الصلاة والسلام، وأرجو مراجعة أجوبة الأسئلة المرقمة (883، 985، 1474) في هذا الموقع المبارك.

وينبغي للمسلم أنْ يعلم بحرمة الاقتراض بالربا سواء كان مِن المصارف أو الأشخاص لقوله جلّ في علاه {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [سورة البقرة/275]، ولمّا رواه سيّدنا عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَشَاهِدَهُ وَكَاتِبَهُ) الإمام أبو داود رحمه الله تعالى، ولمعرفة المزيد من الأحكام المتعلقة بالربا أرجو مراجعة الأجوبة المرقمة (1254، 1524، 1526) في هذا الموقع المبارك.

أمّا همُّ الدَّين وقضائه فعليك بوصايا الرحمة المهداة سيّدنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلم لأصحابه الكرام رضي الله تعالى عنهم جميعا، ومنها (دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ الْمَسْجِدَ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ أَبُو أُمَامَةَ فَقَالَ: يَا أَبَا أُمَامَةَ مَا لِي أَرَاكَ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ فِي غَيْرِ وَقْتِ الصَّلَاةِ قَالَ هُمُومٌ لَزِمَتْنِي وَدُيُونٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَفَلَا أُعَلِّمُكَ كَلَامًا إِذَا أَنْتَ قُلْتَهُ أَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمَّكَ وَقَضَى عَنْكَ دَيْنَكَ قَالَ قُلْتُ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ قُلْ إِذَا أَصْبَحْتَ وَإِذَا أَمْسَيْتَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْجُبْنِ وَالْبُخْلِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ وَقَهْرِ الرِّجَالِ، قَالَ فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمِّي وَقَضَى عَنِّي دَيْنِي) الإمام أبو داود رحمه الله تعالى، وعن سيّدنا عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ (أَنَّ مُكَاتَبًا جَاءَهُ فَقَالَ إِنِّي قَدْ عَجَزْتُ عَنْ كِتَابَتِي فَأَعِنِّي قَالَ أَلَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ عَلَّمَنِيهِنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ كَانَ عَلَيْكَ مِثْلُ جَبَلِ صِيرٍ دَيْنًا أَدَّاهُ اللَّهُ عَنْكَ قَالَ قُلْ اللَّهُمَّ اكْفِنِي بِحَلَالِكَ عَنْ حَرَامِكَ وَأَغْنِنِي بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ) الإمام الترمذي رحمه الله تعالى، والمُكاتب هو العبد الذي تكاتب مع سيّده على مال يقسّطه له فإذا ما دفعه إليه صار حرا‏، وجبل صير قد يُراد به جبل صبر، وهو ثاني أعلى الجبال في اليمن والجزيرة العربية إذ يبلغ ارتفاعه (3070م) عن سطح البحر، وقد يُراد به جبل ثُبير، وهو جبل يقع على يسار الذاهب من مكة إلى منى، يقابل جبل حراء، ويمتد منه إلى أنْ يصل أواخر منى، وجبل ثُبير مبارك يقصده الزوار، وعليه أهبط  كبش الفداء لسيدنا إسماعيل عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، وذكر الجبل هنا تمثيل لبيان الكثرة، كقوله صلى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلم (لا تسبوا أصحابي فلو أنّ أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مُدّ أحدهم ولا نصيفه) الإمام البخاري رحمه الله تعالى.

وعن سيّدنا أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل: ألا أعلمك دعاء تدعو به لو كان عليك مثل جبل دينا لأدى الله عنك؟ قل يا معاذ، اللهم مالك الملك، تؤتي الملك من تشاء، وتنزع الملك ممّن تشاء، وتعز من تشاء، وتذل من تشاء، بيدك الخير إنك على كل شيء قدير، رحمان الدنيا والآخرة، تعطيهما من تشاء، وتمنع منهما من تشاء، ارحمني رحمة تغنيني بها عن رحمة مَنْ سواك) الإمام الطبراني رحمه الله تعالى، وقال عليه الصلاة والسلام وآله وصحبه وسلم (مَا قَالَ عَبْدٌ قَطُّ إِذَا أَصَابَهُ هَمٌّ وَحَزَنٌ اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ نَاصِيَتِي بِيَدِكَ مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي وَنُورَ صَدْرِي وَجِلَاءَ حُزْنِي وَذَهَابَ هَمِّي إِلَّا أَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمَّهُ وَأَبْدَلَهُ مَكَانَ حُزْنِهِ فَرَحًا قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَعَلَّمَ هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ قَالَ أَجَلْ يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهُنَّ أَنْ يَتَعَلَّمَهُنَّ) الإمام أحمد رحمه الله تعالى، وأرجو مراجعة أجوبة الأسئلة المرقمة (536، 602، 1234، 1429، 1485، 1531، 1537، 1600، 1619، 1659) في هذا الموقع المبارك.

وكذا فعليكم بملازمة الاستغفار لقوله تعالى {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} [سورة نوح عليه السلام/الآيات10ـ12]، ولقول المصطفى العدنان صلى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلم عدد ما يكون وما قد كان (مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) الإمام أبو داود رحمه الله تعالى، وأرجو مراجعة جواب السؤال المرقم (1578) والمشاركة المرقمة (99) في هذا الموقع الكريم.

وعليكم بتقوى الله تعالى على كلّ حال؛ فالتقوى سبب الفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة؛ قال تعالى {— وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} [سورةالطلاق/من الآية2 والآية3]، وأرجو مراجعة أجوبة الأسئلة المرقمة (390، 511، 561، 1572) في هذا الموقع المبارك.

وأوصي أيضا بضرورة الأخذ بالأسباب المادية كالاستعانة بالأقارب والمعارف والأصدقاء والطيبين القريبين منكم لعلكم تجدون مَنْ يفكّ دَيْنكم ولو بالقرضة الحسنة الميسرة، وأرجو مراجعة جواب السؤال المرقم (948) في هذا الموقع المبارك.

وأسأله تعالى لكم الفرج القريب, وأنْ يفتح عليكم أبواب الرزق الحلال إنّه هو الكريم الوهاب المتعال.

والله تعالى أعلم.