2014/03/30

السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته سيّدي الشيخ سعد الله عارف، حفظكم الله ورعاكم، سيّدي أسأل عن تعبير الرؤى هل هو علم كسبيّ أم وهبيّ؟

وهل يتحصّل بدراسة على يد مشايخ معروفين بالتعبير، أم بقراءة كتب في هذا الجانب؟

وجزاكم الله خيرا سيّدي الحبيب.

 

الاسم: سعد

 

الرد:-

وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته.

جزاكم الله جلّ وعلا خيرًا على دعائك ولك بمثله.

قال الحقّ عزّ شأنه:-

{وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْمٌ إنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَر وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [سورة الإسراء: 36].

بارك الله سبحانه فيكم، تعددت آراء العلماء رضي الله تعالى عنهم وعنكم في علم التعبير هل هو علم وهبيّ أم كسبيّ، وهل هو هِبة مِنَ الله جلّ في علاه تُمكِّن صاحبها مِنَ القدرة على التعبير أم أنّه يمكن لأيّ أحد أنّ يتعلّم قواعده وضوابطه ليكون مِنَ المعبِّرين.

والذي أراه والله سبحانه أعلم أنّه في أصله وهبيّ، ولكنْ قد ينمو ويزيد بالنظر والممارسة كحال باقي العلوم، قال الله عزّ وجلّ:-

{— وَكَذَٰلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ —} [سورة سيّدنا يوسف عليه الصلاة والسلام: 6].

فالرؤيا جزء مِنّ النبوّة ولا يصح أنْ يتعرّض كلّ إنسان لهذا العلم النفيس فقد قال سيّدنا رسول الله صلّى الله تعالى عليه وعلى آله وصحبه وسلّم:-

(الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّة) الإمام البخاري رحمه الباري سبحانه.

قيل للإمام مالك رحمه الله تعالى:-

(أَيُعَبِّرُ الرُّؤْيَا كُلُّ أَحَدٍ؟ فَقَالَ: أَبِالنُّبُوَّةِ يُلْعَبُ؟! وَقَالَ: لَا يُعَبِّرُ الرُّؤْيَا إِلَّا مَنْ يُحْسِنُهَا، فَإِنْ رَأَى خَيْرًا أَخْبَرَ بِهِ، وَإِنْ رَأَى مَكْرُوْهًا: فَلْيَقُلْ خَيْرًا، أَوْ لِيَصْمُتْ، قِيْلَ: فَهَلْ يُعَبِّرُهَا عَلَى الخَيْرِ وَهِيَ عِنْدَهُ عَلَى المَكْرُوْهِ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ: إِنَّمَا عَلَى مَا أُوِّلَتْ عَلَيْهِ؟ فَقَالَ: لَا، ثُمَّ قَالَ: الرُّؤْيَا جُزْءٌ مِنَ النُّبُوَّةِ فَلَا يُتَلَاعَبُ بِالنُّبُوَّةِ) الإمام ابن عبد البر رحمه الله جلّ وعلا في التمهيد (1/288).

وَعَنْ سَيِّدِنَا أَبِي رَزِينٍ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ:-

(قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الرُّؤْيَا عَلَى رِجْلِ طَائِرٍ، مَا لَمْ تُعَبَّرْ فَإِذَا عُبِّرَتْ وَقَعَتْ. قَالَ: وَأَحْسِبُهُ قَالَ: وَلَا تَقُصَّهَا إِلَّا عَلَى وَادٍّ، أَوْ ذِي رَأْيٍ) الإمام أبو داود رحمه الودود جلّ جلاله.

قال الإمام ابن قتيبة رحمه الله سبحانه:-

(قَالُوا: كَيْفَ تَكُونُ الرُّؤْيَا عَلَى رِجْلِ طَائِرٍ؟ وَكَيْفَ تَتَأَخَّرُ عَمَّا تُبَشِّرُ بِهِ أَوْ تُنْذِرُ مِنْهُ بِتَأَخُّرِ الْعِبَارَةِ لَهَا، وَتَقَعُ إِذَا عُبِّرَتْ؟ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا إِنْ لَمْ تُعَبَّرْ، لَمْ تَقَعْ.

وَنَحْنُ نَقُولُ: إِنَّ هَذَا الْكَلَامَ خَرَجَ مَخْرَجَ كَلَامِ الْعَرَبِ وَهُمْ يَقُولُونَ لِلشَّيْءِ، إِذَا لَمْ يَسْتَقِرَّ: هُوَ عَلَى رِجْلِ طَائِرٍ وَبَيْنَ مَخَالِيبِ طَائِرٍ، وَعَلَى قَرْنِ ظَبْيٍ، يُرِيدُونَ: أَنَّهُ لَا يَطْمَئِنُّ وَلَا يَقِفُ —  وَكَذَلِكَ الرُّؤْيَا عَلَى رِجْلِ طَائِرٍ مَا لَمْ تُعَبَّرْ، يُرَادُ أَنَّهَا تَجُولُ فِي الْهَوَاءِ حَتَّى تُعَبَّرَ، فَإِذَا عُبِّرَتْ وَقَعَتْ، وَلَمْ يُرِدْ أَنَّ كُلَّ مَنْ عَبَّرَهَا مِنَ النَّاسِ وَقَعَتْ كَمَا عَبَّرَ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ الْعَالِمَ بِهَا، الْمُصِيبَ الْمُوَفَّقَ.

وَكَيْفَ يَكُونُ الْجَاهِلُ الْمُخْطِئُ فِي عِبَارَتِهَا، لَهَا عَابِرًا، وَهُوَ لَمْ يُصِبْ وَلَمْ يُقَارِبْ؟ وَإِنَّمَا يَكُونُ عَابِرًا لَهَا، إِذَا أَصَابَ.

يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيا تَعْبُرُونَ} يُرِيدُ: إِن كُنْتُم تعلمُونَ عبارتها.

وَلَا أَرَادَ أَنَّ كُلَّ رُؤْيَا تُعَبَّرُ وَتُتَأَوَّلُ لِأَنَّ أَكْثَرَهَا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ، فَمِنْهَا مَا يَكُونُ عَنْ غَلَبَةِ الطَّبِيعَةِ، وَمِنْهَا مَا يَكُونُ عَنْ حَدِيثِ النَّفْسِ، وَمِنْهَا مَا يَكُونُ مِنَ الشَّيْطَانِ.

وَإِنَّمَا تَكُونُ الصَّحِيحَةُ، الَّتِي يَأْتِي بِهَا الْمَلَكُ مَلَكُ الرُّؤْيَا عَنْ نُسْخَةِ أُمِّ الْكِتَابِ، فِي الْحِينِ بَعْدَ الْحِينِ.

— وَهَذِهِ الصَّحِيحَةُ هِيَ الَّتِي تَجُولُ حَتَّى يُعَبِرَّهَا الْعَالِمُ بِالْقِيَاسِ الْحَافِظُ لِلْأُصُولِ، الْمُوَفَّقُ لِلصَّوَابِ، فَإِذَا عَبَّرَهَا وَقَعَتْ كَمَا عبر) تأويل مختلف الحديث: ص 438 – 485.

 

فمَنْ رأى رؤيا فلا يبحث عن تأويلها في الكتب، فلو ذهب إلى مُعَّبِر ربّاني لاختصر الطريق على نفسه، نعم ممكن أنْ يصيب التأويل في بعض المواطن لكنْ هذا التأويل سيكون قاصرًا في كثير مِنَ الأحيان، إذ إنّ الرؤيا تختلف باختلاف الرائي وحاله.

والله جلّ ثناؤه أعلم.

وصلّى الله سبحانه على مَنْ برؤياه اكتحلت العيون سيّدنا محمّد الذي ما رأى مثلَه الناظرون وعلى آله وصحبه ما توالت الأيّام والسنون.