2014/04/15

السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

حضرة الشيخ الدكتور سعد الله أحمد عارف

سؤال: نحن في منطقة بزيبز منطقة ريفية توجد لدينا إسالة ماء شرب والمنطقة تمتد إلى أربعة كيلو متر، فالمنازل القريبة من الإسالة يسقون الزروع من الماء الصالح للشرب والمنازل البعيدة عن الإسالة لا يصلهم ماء أبدا

فهل توجد هناك فتوى تحرّم هذا الشيء؟

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

حفظكم الله سبحانه وتعالى.

 

الاسم: عامر عبيد العيساوي

 

الرد:

وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته، حفظك الله عزّ وجلّ وجميع المسلمين برحمته إنّه سبحانه أرحم الراحمين.

قال ربّنا تبارك اسمه {— وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ} [الأنبياء عليهم السلام: 30]، وقال جلّ جلاله وعمّ نواله {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ} [الشورى: 28].

لقد اهْتمَّ الإِسلامُ بالماءِ ووردَتْ كلمةُ الماء في القرآن الكريم (63) مرّة، وغالباً ورودها كان بمعنى النعمة، ولِمَا للماءِ مِنْ أهمية بالغة فقدْ نبّه اللهُ سبحانه وتعالى إلى معرفة هذه النعمة وتأدية شكرها فقال جلّ في علاه {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ} [الواقعة :68 – 70].

كما بيّن جلّ جلاله وعمّ نواله عجز الإنسان وضعف قدرته في حال نقْص الماء عنْدما قال جلّ في علاه {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ} [الملك: 30] وقد حثّ الإسلامُ على القصد والاعتدال في جميع الأمور وظهر ذلك في نصوص قرآنية وأحاديث نبوية كثيرة، كما نهى عَن الإسراف بجميع أشكاله، قال الرَّؤُوفُ الرَّحيمُ {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف: 31]. ويكفي مِنْ ذم المسرفين أنَّ الله سبحانه وتعالى لا يحبهم.

وكان الرسول صلى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلم أوَّل مَنْ دعا النَّاس إلى عدم الإسراف في الماء حيثُ قَالَ (كُلُوا وَاشْرَبُوا وَالْبَسُوا وَتَصَدَّقُوا فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلَا مَخِيلَةٍ)، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله تعالى عنهما (كُلْ مَا شِئْتَ وَالْبَسْ مَا شِئْتَ مَا أَخْطَأَتْكَ اثْنَتَانِ سَرَفٌ أَوْ مَخِيلَةٌ) الإمام البخاري رحمه الباري سبحانه، وقوله (مخيلة) من الخيلاء وهو التكبّر.

ومَنْ تجاوز الحدّ في استخدام الماء ولو في الطهارة والنظافة فقدْ أسرف وأساء الاستعمال.

وفي مجال ترشيد استخدام الماء كان نبيّنا الأكرم صلى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلم الأُسوة الحسنة والقُدوة المُثلى في ذلك، فقدْ نهى عنْ الإسرافِ في استعمال الماء في الوضوء وأمر بالاقتصاد وطبَّقهُ على نفسه وأهل بيته، فعن سيّدنا أَنَس رضي الله تعالى عنه قَال (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ إلَى خَمْسَةِ أَمْدَادٍ وَيَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، والصاع يساوي لترين وأربعمائة وثلاثين مليلتر، والمُدّ يساوي ربع الصاع أي (0,585) مليلتر.

ومرّ عليه الصلاة والسلام وآله وصحبه الكرام بِسيّدنا سَعْدٍ رضي الله تعالى عنه وَهُوَ يَتَوَضَّأُ فَقَالَ (مَا هَذَا السَّرَفُ؟ فَقَالَ: أَفِي الْوُضُوءِ إِسْرَافٌ؟ قَالَ: نَعَمْ وَإِنْ كُنْتَ عَلَى نَهَرٍ جَارٍ) الإمام ابن ماجة رحمه الله تعالى.

ومعنى ذلك أنَّ الإسراف مذموم وأنَّ الاقتصاد والترشيد في استعمال الماء يجب أنْ يكون خُلُقاً  للمسلم وسلُوكاً له بصفة دائمة حتى إذا كان في وضع الرخاء والوفرة.

وقضيّة  ترشيد استعمال المياه، قضيّة هامة جداً نظراً لأنَّ الإسراف فيها يؤدي إلى استنزافها وإهدارها وبالتالي يُمثل خطراً على مستقبل الموارد المائية الموجودة.

مِنْ هنا يجب على المسلم أنْ يعرف أنَّ الموارد الطبيعية مِنْ حقوق الله تعالى وليستْ حقاً خاصاً لفرد أو فئة وليستْ لجيل عن جيل آخر بل حقٌ عامٌ للبشرية كافّة وجميع الأجيال عامّة. فيجب على المسلم أنْ يعيَّ حقوق الله سبحانه على خلقه ويَرعى هذه الحقوق لأنَّهُ سيُسألُ عنْها ومِنْ ثمَّ لابدّ أنْ يكون لدى المسلم رقابة ذاتية في عدم التفريط في حقوق الله جلّ وعلا واستخدام الموارد وخاصة المياه دون إسراف أو إهدار أو تبذير .

فأقول والله سبحانه وتعالى أعلم: لا يجوز استعمال المياه المخصصة لشرب الناس وقضاء حوائجهم المنزلية لسقي الأراضي الزراعية إلا في حال عدم وجود غيرها، فلا بأس باستخدامها مع ترك المبالغة فيها، وأوجّه بهذه المناسبة المسلمين بضرورة الاستفادة من التقنيات الحديثة في الحياة بشكل عام وفي هذه المسألة بشكل خاص كتقنيّة (التقطير في السقي)، ولا شكّ أنّ عدم الجواز يتأكد في حال حدوث الضرر المحقق كما هو في السؤال لقول رسولنا الكريم عليه الصلاة والتسليم وآله وصحبه أجمعين (لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ) الإمام ابن ماجه رحمه الله تعالى.

واعلموا أنّ هذه أمانة، والأمانة تشمل كلّ مَا اؤتمنْتَ عليها مِنْ ماديات ومعنويات، وهي أثقلُ شيءٍ في الدين قال الله سبحانه وتعالى {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب: 72].

وقال الكريم التوّاب جلّ جلاله وعمّ نواله في صفات المؤمنين {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} [المؤمنون: 8].

وصلّى الله تعالى وسلّم على نبيّنا محمد وآله وصحبه أجمعين والله تبارك اسمه أعلم بالصواب {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران عليهم السلام: 8].