11/4/2019
السؤال:
السلام عليكم شيخنا الجليل.
هل مبدأ المرابحة المتبّع في قروض المصارف الإسلامية لشراء منزل حلال أم حرام؟
أرجو الجواب وجزاكم الله خير الجزاء.

الاسم: نور الهدى احمد

الرد:
وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته.
أشكرك على تواصلك مع هذا الموقع الكريم سائلا المولى جلّ وعلا أنْ يجعل ذلك في ميزان حسناتك ويكرمك بما هو أهله إنّه سبحانه سميع مجيب.
المصارف الإسلامية هي إحدى المؤسسات المالية التي تعتمد في تعاملاتها على عقود شرعية، وتعتمد في هيكليتها المؤسسية على الرقابة الشرعية.
ومع ذلك فإنّ ما يهمنا في أي تعامل هو نفس العقد، فاذا كان العقد صحيحا جاز التعامل، وإنْ كان فاسدًا أو باطلًا حرم التعامل مع أي جهة كانت حتى وإنْ سمّت نفسها مصرفًا إسلاميًّا.
وبيع المرابحة هو عقد معروف في الفقه الإسلامي، وهو من عقود الأمانة، ويمكن تلخيصه بأنّ البائع يخبر المشتري بالثمن الذي اشترى به السلعة – أي مقدار التكلفة – ومقدار الزيادة أو الربح الذي يريده – فإنْ تمّ التراضي بينهما، جاز البيع.
والمصارف الإسلامية تعتمد على هذه الصيغة في تعاملاتها، ولكن بشكل مختلف، حيث أنّ السلعة المراد شرائها غير موجودة في وقت الطلب، لكن يتم إخبار المصرف بها وبثمنها من قِبَلِ الراغب بشرائها، ويَعِدُ الراغب لتلك السلعة أنْ يشتريها من المصرف إن اشتراها مع الزيادة – أي الربح – يؤدي ثمنها بالأقساط أو بالآجل – حسب الاتفاق بينهما –
فيقوم المصرف بشراء الحاجة بالثمن المعلوم عند الطرفين، وبيعها لطالبها بحسب ما اتفقوا مسبقا.
وبعض الفقهاء المعاصرين رضي الله تعالى عنهم وعنكم أجازوا هذا العقد وهذا التعامل، فالعقد ما بين المصرف وصاحب الحاجة هو عقد صحيح تمّ بالتراضي وكان الثمن بالنقد.
والعقد بين المصرف وبين الشخص الراغب بالشراء صحيح حيث تمّ بالتراضي وكان الثمن بالآجل أو بالتقسيط – حسب الاتفاق بينهما -، وهو عقد جائز.

أمّا المواعدة بالشراء والذي هو التزام أخلاقي، أجازه أغلب المعاصرين ديانة لا قضاءً، فالوفاء بالوعد من صفات المؤمنين، وقد ذمّ النبيّ عليه الصلاة والسلام وآله وصحبه الكرام مَنْ لا يفي بوعده فقال:
(آيَةُ المُنَافِقِ ثَلاَثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ) الإمام البخاري رحمه الباري سبحانه.
لكنّ هذا الوعد غير ملزم ما لم يتمّ البيع حقيقة بين الراغب بالشراء وبين المصرف، ولا يوجد ما يلزم الراغب بالشراء بإتمام العقد حتى وإنْ قام المصرف بشراء تلك الحاجة بناءً على ذلك الوعد.
وجواز هذا التعامل لما فيه من مصلحة لبعض الناس الذين يعجزون عن الشراء بالنقد – أي بالثمن كاملا – إلى الشراء بالتقسيط وحسب الاستطاعة، وما كانت تلك نتيجته كان أقرب للجواز فالإسلام إنّما جاء ليحقق المنافع للناس ويزيل عنهم المفاسد والمشاق.
لكن على المسلم أنْ يبتعد قدر الإمكان عن الديون أو الالتزامات المالية، فقد صح عَنْ سَيِّدِنَا سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ:
(أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِجَنَازَةٍ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهَا، فَقَالَ: هَلْ عَلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ ؟ قَالُوا: لاَ، فَصَلَّى عَلَيْهِ ثُمَّ أُتِيَ بِجَنَازَةٍ أُخْرَى، فَقَالَ: هَلْ عَلَيْهِ مَنْ دَيْنٍ؟ قَالُوا: نَعَمْ قَالَ: صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ. قَالَ أَبُو قَتَادَةَ عَلَيَّ دَيْنُهُ يَا رَسُولَ اللهِ فَصَلَّى عَلَيْهِ) الإمام البخاري رحمه الله جلّ وعلا.
وهذه العقود كلها مندرجة تحت ظلال قول الله سبحانه:
{يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 28 – 29].
ولمزيد من الفائدة يمكن مراجعة جواب السؤالين المرقمين (826، 1834) في هذا الموقع المبارك.
وصلّى الله تعالى وسلّم وبارك على سيّد المرسلين وإمام المتقين نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
والله جلّ جلاله أعلم.