2020-03-24
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
أسأل الله تعالى أن تكونوا بخير، ونشكركم على ما تتفضلون به من معلومات في موقعكم الكريم هذا.
سيّدي الكريم: لقد اطلعت على جواب السؤال المرقم (2439) فأحببت أنْ أستفسر من حضرتكم عمّا ذكره الأطباء المتخصصون في هذا المجال إذ قالوا: إنّ خطورة هذا الفايروس تكمن في أنّ الإنسان قد يكون مصابا به وهو لا يشعر إذ لا تظهر أعراضه إلا بعد مرور أيام قد تصل إلى أكثر من (20) يوما، وبالتالي نسبة انتقاله إلى غيره كبيرة إذا اختلط بالناس، فإذا ذهب إلى المسجد في هذه الحالة هو لا يدري أنّه مريض حتى يصلي في بيته، بل يظنّ أنّه صحيح وسليم فيذهب ويعدي غيره، فما الحكم في هذه الحالة؟

الاسم: الجميلي.

الرد:
وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته.
أشكرك كثيرا على تواصلك وتفاعلك واهتمامك بما ينشر في هذا الموقع الكريم، وحرصك على سلامة الناس، أسأل الله جلّ في علاه أنْ يحفظ الجميع من كلّ مكروه، ويمنّ بالعافية على كلّ مبتلى إنّه سبحانه سميع مجيب.
إنّ ما تفضلتم به لم يغب عن بالي بفضل الله جلّ جلاله، لكن إذا كان الاعتماد في الفتوى على الظنّ بأنّ فلانا من النّاس قد يكون حاملا للفايروس وهو لا يدري وبالتالي يمكن أنْ يعدي غيره، فإنّ الأمور لا تستقيم، فاحتمال مرض الشخص قائمٌ في كلّ الأحوال والأزمان، وغلبة الظنّ في هذا الوقت لا تصلح أساسًا لإزاحة اليقين، فالشكُّ لا يُزِيْلُ اليَقِيْنَ كما يقول علماء الأصول رضي الله تعالى عنهم وعنكم.
فلماذا تغلق المساجد لمجرّد الشكّ؟
وما تقوله منظمة الصحّة العالمية احتمالاتٌ قد تكون صحيحةً أو لا.
والدليل على هذا اختلاف التقارير الواردة حتى الآن منها ومن غيرها.
وإنّني بهذه الفتوى (2439) أريد للمجتمع الارتقاء إلى أعلى مراتب الكمال المقدور له من خلال الالتزام التامّ بهدايات الشريعة الغرّاء (اعتقادا وسلوكا) التي قال الله جلّ وعلا عنها:
{— الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا —} [المائدة: 3].
ولو أنّنا جعلنا هذا الاحتمال علّة صالحة لغلق المساجد فهذا يعني أنْ نقوم بعمل مستحيل شرعا وعقلا، وهو ابتعاد الخلق كلّهم بعضهم عن بعض، فالزوج يبتعد عن زوجته وأسرته، لأنّ احتمال حمله للفايروس قائمٌ.
وهل هذا الكلام يقبل شرعا أو عقلا أو عرفا؟ أم سيؤدّي إلى شقاءٍ ونَكَدِ عَيْشٍ لا يطاق؟
وبهذا القول سننزل بالمجتمع إلى واقع الظنون ومستنقع القلق والاضطراب الذي لا يعلم أضراره ومساوئه إلا الله جلّ في علاه.
فالأولى في هذا المجال تقوية عقيدة الإيمان بالله سبحانه والتوكل عليه ورجاء لطفه وعفوه وعافيته ومجاهدة النفس للامتثال التامّ الكامل بكلّ أحكام الشرع الشريف، فالله تعالى أدرى بأمور خلقه وبما يصلحهم، ومن هذه الأحكام قول سيّد الأنام عليه وآله وصحبه أتمّ الصلاة والسلام:
(مَنْ تَطَهَّرَ فِي بَيْتِهِ، ثُمَّ مَشَى إِلَى بَيْتٍ مَنْ بُيُوتِ اللهِ لِيَقْضِيَ فَرِيضَةً مِنْ فَرَائِضِ اللهِ، كَانَتْ خَطْوَتَاهُ إِحْدَاهُمَا تَحُطُّ خَطِيئَةً، وَالْأُخْرَى تَرْفَعُ دَرَجَةً) الإمام مسلم رحمه المنعم جلّ وعلا.
وقد عرفنا من خلال الجواب المشار إليه أنّ الطهارة في الإسلام لا تقتصر على الوضوء فحسب، بل مفهومها أوسع من ذلك بكثير، تشمل الطهارة الاعتقادية المعنوية، والمادية الجسمانية، فيمكن أنْ يُفْهَمَ منها أيضا أنّ المسلم ينبغي عليه أنْ يتطهّر بما تيسّر له من مطهّرات ومعقّمات، ويأخذ بالوصايا والإرشادات، التي صدحت بها كافّة المؤسسات، ومن قبلها نصوص الكتاب العزيز والسنّة المطهّرة.
وكذلك الحال بالنسبة للمساجد فيجب أنْ تُطهّر قبل كلّ صلاة وبعدها، ويُستقبل المصلّون القادمون إليها بالمعقمّات تجسيدا لمعنى الطهارة الذي بيّنته.
وبعد الأخذ بكلّ ما تقدّم يبقى المسلمُ حرًّا في مجيئه إلى المسجد للصلاة فيه، أو البقاء في بيته، لكنّ المهمّ أنْ يبقى المسجد مفتوحا.
وصلّى الله تعالى وسلّم على سيّد المرسلين، وإمام العالمين، نبيّنا محمّد، وعلى آله وصحبه أجمعين.