2020-05-23
السؤال:
سيّدي حضرة الشيخ رضي الله تعالى عنكم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أولا أتقدّم إليكم بالدعاء من الله سبحانه وتعالى أنْ يمدّ في عمركم ويديم عليكم نعمة الصحة والأمان وأن ينفعنا بأنواركم الزكية ويرزقنا حسن الأدب معكم وأن يتقبّل منّا ومنكم الطاعات وأن نفوز بأعلى الدرجات ويرزقنا صحبتكم في الدنيا والآخرة في الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا * وأسأله جلا وعلا أن يبارك هذا الموقع ويوفق القائمين عليه إنه سميع مجيب.
سيّدي في ظل هذه الظروف التي نعيشها (محدودية الحركة والتنقل) ولأجل تسهيل المهمة على بعض الإخوة والأقارب أقوم بدفع زكاة الفطر عنهم (مع عدم تأثري ماديا بتلك المبالغ والحمد لله ربّ العالمين) وأخبرهم بأنّه لا مانع أن يدفع لي لاحقا حتى لو بعد رمضان فهل يصحّ هذا الفعل أم يجب أن تصل لي قبل نهاية رمضان؟ وهذا السؤال كان موجها من قبلهم لي. مع الإيضاح أن حالتهم المادية ميسورة أيضا والعائق الوحيد هو صعوبة اللقاء بيننا حاليا فقط.
عذرا للإطالة وجزاكم الله تعالى عنّا خير الجزء خادمكم أبو عمر مصطفى السامرائي.

الاسم: خادمكم مصطفى السامرائي ابو عمر

الرد:
وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته.
شكرا جزيلا على تواصلكم الطيّب مع هذا الموقع الكريم، ودعواتكم الصادقة، وبعد:-
قال الحقّ جلّ وعلا في محكم كتابه العزيز:
{أُولَٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} [سورة المؤمنون: 61].
فمن صفات المؤمنين أنّهم يُسارعون في الخيرات ويستثمرون الفرص خوفاً من فوات الوقت أو الفرصة التي قد لا تُتاح دائماً، ومن هنا فإنّه ينبغي المبادرة في دفع زكاة الفطر لكي ينتفع منها المحتاج بحسب حاجته، فقد تطورت المجتمعات وغدت الضرورات والحاجات متنوعة وكثيرة، ولا تقتصر على الطعام الذي يمكن دفع حاجته في يوم العيد نفسه.
وزكاة الفطر من الطاعات التي شُرّعت طهرة للصائم ممّا بدر منه في شهر رمضان، فعَن سيدنا عبد اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله تعالى عنهما قَالَ:-
(فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ، مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ، فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ) الإمام أبو داود رحمه الغفور الودود سبحانه.
ويُستحب أنْ يباشر المسلم بنفسه العبادات أو الطاعات المتنوعة لأنّه صاحبها وأدعى أنْ ينتفع من وارداتها الروحية، إلّا إذا تعذّر ذلك، فمثلا في باب ذبح أضحية عيد الأضحى يُستحب أنْ يباشر المضحّي بنفسه ذبح أضحيته أو أنْ يشهد ذبحها على الأقلّ؛ قال العلماء رضي الله تعالى عنهم وعنكم:-
(وَيَتَولَّاهَا أي: الأضحيةَ صَاحِبُهَا إن قَدِر، أَوْ يُوَكِّلُ مُسْلِماً وَيَشْهَدُهَا، أي: يحضرُ ذَبْحَها إنْ وَكَّلَ فِيْهِ) الروض المربع شرح زاد المستقنع ص290.
وهكذا يُستحب لصاحب الزكاة أنْ يدفعها للفقير بنفسه إذا أمكنه ذلك فهو أنفع له روحياً، وأبعد عن الشكوك التي قد تراوده في وصول زكاته للفقير من عدمه؛ فالشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم من العروق كما جاء في الحديث الشريف؛ فعن السيّدة صفية بنت حييّ رضي الله تعالى عنها قالت:-
(كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعْتَكِفًا فَأَتَيْتُهُ أَزُورُهُ لَيْلًا، فَحَدَّثْتُهُ ثُمَّ قُمْتُ فَانْقَلَبْتُ، فَقَامَ مَعِي لِيَقْلِبَنِي، وَكَانَ مَسْكَنُهَا فِي دَارِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، فَمَرَّ رَجُلاَنِ مِنَ الأَنْصَارِ، فَلَمَّا رَأَيَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْرَعَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَلَى رِسْلِكُمَا إِنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ، فَقَالاَ: سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ الإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ، وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا سُوءًا، أَوْ قَالَ: شَيْئًا) الإمام البخاري رحمه الباري سبحانه.
أمّا وقد تأخّر الدفع، وقد تمّ توكليك بذلك فلا حرج بإذنه تعالى، لأنّ التوكيل في توزيع صدقة الفطر جائز، كذا التوكيل في دفع الزكاة أو الفدية والكفارات وسائر الصدقات والتبرعات، ولجنابك الأجر إذ كنت سبباً في فعل الخير ونقله للغير؛ وهذا من باب التعاون على البر والتقوى، قال عزّ من قائل:-
{— وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى —} [سورة المائدة: 2].
ولا مشكلة في أنْ يُرجعوا لجنابك المبالغ التي دفعتها للفقراء بعد شهر رمضان المبارك، ولكن المهم أنْ تصل تلك المبالغ لمستحقيها قبل صلاة العيد؛ لأنّك وكيل عن صاحبها، أمّا لو كان الفقير قد وكلك مثلاً، وقال:- اقبض لي زكاة الفطر من معارفك، فقبضتها فيجوز أنْ تبقى معك ولو بعد صلاة العيد، لأنّ قبض وكيل الفقير بمنزلة قبض الوكيل.
كما ينبغي للوكيل التقيّد بما يوكّله موكّله من دفع عين المبلغ الذي وكِّلَ بدفعه أي ليس أقلّ منه، كذا يتقيد بالشخص الذي يروم الدفع له إذا حدده له موكله بعينه.
ولمزيد فائدة أرجو مراجعة جواب السؤالين المرقمين (2522، 2527) وما أُحيل فيهما من أجوبة في هذا الموقع المبارك.
والله عزّ جاره أعلم.

واللهَ جلّ جلاله أسألُ أنْ يبارك لك ويوفقك دوما لفعل الخيرات، وأن يتقبّل من الجميع ببركة الشفيع صلّى الله تعالى وسلّم عليه وآله وصحبه ذوي القدر الرفيع.