2020-06-17
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
حيّاكم الله تحية طيبة مباركة.
حضرة الشيخ الدكتور سعد الله أحمد عارف
حياكم الله دكتور
سؤال:
يقول الله تعالى (وما علمناه الشعر وما ينبغي له إنْ هو إلا ذكر وقرآن مبين) عرفنا القرآن فما هو الذكر؟ هل هي السنّة النبويّة؟ كما قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم (ألا إنّي أوتيت هذا القرآن ومثله معه)؟ جزاكم الله خيرا.
 
الاسم: وليد جبلي / اليمن
 
الرد:-
وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته.
حياّك الله جلّ وعلا والإخوة في اليمن، وأسأله عزّ وجلّ أنْ يرفع عنهم الفتن والمحن وعن سائر بلاد المسلمين إنّه سبحانه صاحب العطايا والمنن.
(الذكر) هو أحد أسماء وأوصاف القرآن الكريم، ويتضح هذا في الآية الكريمة التي وردت في سؤالك من خلال سياقها الذي جاء رداً على ادعاءات المشركين بأنّ ما يتلوه حضرة خاتم النبيين عليه والصلاة والتسليم وآله وصحبه الميامين إنّما هو (شعر) مع أنّهم أعرف النّاس بالشعر وضروبه.
عن سيّدنا عبد الله بن عبّاس رضي الله تعالى عنهما قال:-
(حِينَ اجْتَمَعَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، وَنَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ، وَقَدْ حَضَرَ الْمَوْسِمُ لِيَجْتَمِعُوا عَلَى رَأْيٍ وَاحِدٍ فِيمَا يَقُولُونَ: فِي مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِوُفُودِ الْعَرَبِ، فَقَالُوا: فَأَنْتَ يَا أَبَا عَبْدِ شَمْسٍ فَقُلْ وَأَقِمْ لنا رَأَيًا نَقُومُ بِهِ، فَقَالَ: بَلْ أَنْتُمْ فَقُولُوا: أَسْمَعُ فَقَالُوا: نَقُولُ كَاهِنٌ. فَقَالَ: مَا هُوَ بِكَاهِنٍ. لَقَدْ رَأَيْتُ الْكُهَّانَ فَمَا هُوَ بِزَمْزَمَةِ الْكَاهِنِ وَسِحْرِهِ، فَقَالُوا: نَقُولُ مَجْنُونٌ. فَقَالَ: مَا هُوَ بِمَجْنُونٍ، وَلَقَدْ رَأَيْنَا الْجُنُونَ، وَعَرَفْنَاهُ فَمَا هُوَ بِخَنْقِهِ، وَلَا تَخَالُجِهِ، وَلَا وَسْوَسَتِهِ، فَقَالُوا: نَقُولُ شَاعِرٌ قَالَ: مَا هُوَ بِشَاعِرٍ، وَلَقَدْ عَرَفْنَا الشِّعْرَ بِرَجَزِهِ، وَهَزَجِهِ، وَقَرِيضِهِ، وَمَقْبُوضِهِ، وَمَبْسُوطِهِ، فَمَا هُوَ بِالشِّعْرِ قَالُوا: فَنَقُولُ هُوَ سَاحِرٌ قَالَ: فَمَا هُوَ بِسَاحِرٍ لَقَدْ رَأَيْنَا السُّحَّارَ وَسِحْرَهُمْ، فَمَا هُوَ بِنَفْثِهِ وَلَا عَقْدِهِ، فَقَالُوا: فَمَا تَقُولُ يَا أَبَا عَبْدِ شَمْسٍ قَالَ: وَاللهِ إِنَّ لِقَوْلِهِ لَحَلَاوَةً، وَإِنَّ أَصْلَهُ لَمُغْدِقٌ، وَإِنَّ فَرْعَهُ لَجَنًى، فَمَا أَنْتُمْ بِقَائِلِينَ مِنْ هَذَا شَيْئًا إِلَّا عُرِفَ أَنَّهُ بَاطِلٌ، وَإِنَّ أَقْرَبَ الْقَوْلِ أَنْ تَقُولُوا: سَاحِرٌ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْمَرْءِ، وَبَيْنَ أَبِيهِ وَبَيْنَ الْمَرْءِ، وَبَيْنَ أَخِيهِ وَبَيْنَ الْمَرْءِ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ، وَبَيْنَ الْمَرْءِ وَبَيْنَ عَشِيرَتِهِ فَتُفَرِّقُوا عَنْهُ بِذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا * — سَأُصْلِيهِ سَقَرَ} [سورة المدثر: 11 – 26]) الإمام البيهقي رحمه الله سبحانه.
وعليه فلم ينفِ الله جلّ وعلا كونه شعرًا فحسب بل أبعد قول الشعر نظماً ونقلاً عن نبيّه صلّى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلّم بقوله عزّ من قائل:-
{وَمَا يَنْبَغِي لَهُ}.
والذكر الوارد في الآية الكريمة ليس معناه السنّة المطهّرة، بل العِظَة والإرشاد كما قال أغلب المفسرين رضي الله تعالى عنهم وعنكم أجمعين:-
قال الإمام البغوي رحمه الله جلّ وعلا:-
(إِنْ هُوَ، يعني ما الْقُرْآنَ، إِلَّا ذِكْرٌ، مَوْعِظَةٌ، وَقُرْآنٌ مُبِينٌ، فِيهِ الْفَرَائِضُ وَالْحُدُودُ وَالْأَحْكَامُ) تفسير البغوي (4/22).
وقال الإمام البيضاوي رحمه الله سبحانه:-
(إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ عظة وإرشاد من الله تعالى) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (4/273).
والذي أراه والله عزّ شأنه أعلم:-
أنّ الذكر يطلق ويراد به معان عدة:-
1- التذكّر الذي هو خلاف النسيان، ومنه قوله جلّ جلاله:-
{اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [سورة الزمر: 23].
2- القرآن الكريم، ومنه قوله تعالى:-
{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [سورة الحجر: 9].
3- الذكرى والموعظة، كما في الآية الكريمة التي ورد عنها السؤال.
4- العزّ والشرف، ومنه قوله جلّت صفاته:-
{لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [سورة الأنبياء عليهم السلام: 10].
5- العلم، ومنه قوله سبحانه:-
{— فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [سورة النحل: 43].
6- القراءة والتلاوة، ومنه قوله عزّ وجلّ:-
{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [سورة القمر: 17].
والمتأمّل في هذه المعاني يجدها كلّها تنطبق على القرآن الكريم، كيف لا وهو كلام الله جلّ في علاه القائل فيه:-
{لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [سورة سيّدنا يوسف عليه السلام: 111].
وقال:-
{— وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [سورة النحل: 89].
وقال فيه حضرة نبيّنا الأمين صلوات ربي وسلامه عليه وآله وصحبه أجمعين:-
(— كِتَابُ اللَّهِ فِيهِ نَبَأُ مَا قَبْلَكُمْ وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ، وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ، وَهُوَ الفَصْلُ لَيْسَ بِالهَزْلِ، مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللَّهُ، وَمَنْ ابْتَغَى الهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ، وَهُوَ حَبْلُ اللَّهِ المَتِينُ، وَهُوَ الذِّكْرُ الحَكِيمُ، وَهُوَ الصِّرَاطُ المُسْتَقِيمُ، هُوَ الَّذِي لَا تَزِيغُ بِهِ الأَهْوَاءُ، وَلَا تَلْتَبِسُ بِهِ الأَلْسِنَةُ، وَلَا يَشْبَعُ مِنْهُ العُلَمَاءُ، وَلَا يَخْلَقُ عَلَى كَثْرَةِ الرَّدِّ، وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ، هُوَ الَّذِي لَمْ تَنْتَهِ الجِنُّ إِذْ سَمِعَتْهُ حَتَّى قَالُوا: {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ} [الجن: 2]، مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ، وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ، وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ، وَمَنْ دَعَا إِلَيْهِ هَدَى إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) الإمام الترمذي رحمه الله جلّ وعلا.
أمّا قول سيّدنا رسول الله صلّى الله تعالى وسلّم عليه وآله وصحبه ومَنْ والاه:- (أَلَا إنِّي أُوْتِيْتُ الكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ) الإمام أبو داود رحمه الودود جلّ وعلا.
وفي رواية أخرى قال:-
(أَلا إِنِّي أُوتِيتُ القُرآنَ ومِثلَهُ مَعَهُ) الإمام أحمد رحمه الفرد الصمد جلّ جلاله.
فالمقصود به الأحاديث القدسية التي بلغت على لسان النبيّ المعصوم عليه الصلاة والسلام وآله وصحبه الكرام والسنّة النبويّة المطهّرة التي جاءت شارحةً للقرآن الكريم ومكمّلة له تصديقاً لقول الله جلّت صفاته:-
{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3، 4].
وأرجو مراجعة جواب السؤال المرقم (1688) في هذا الموقع النافع.
وصلّى الله تعالى وسلّم على حضرة النبيّ الأكرم، سيّدنا محمّد المعظّم، وعلى آله وصحبه أهل الجود والكرم.