2020-06-17
السؤال:
سيّدي حضرة الشيخ، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته وفضله، أدعو من الله العظيم أنْ يحفظكم ويمد في عمركم ويؤيد بكم الإسلام والمسلمين ويرزقنا حسن الأدب والاتباع والرفقة لحضرتكم في الدارين إنّه جل شأنه سميع مجيب.
سيّدي خلال سفري قبل بضع سنوات إلى بلد أوربي التقيت صدفة بإنسان من ديانة غير الإسلام قرب معبد لأتباع هذه الديانة وحصل حوار بسيط بيني وبينه بدأ بالتعارف عن بلدينا وفوجئت بردة الفعل والعدوانية الشديدة حينما علم أني من العراق فاضطررت لإنكار ديانتي حينما سأل وبشدة وهل أنت مسلم؟ لكي أتجنّب ربّما فعل مؤذي خصوصا وأنا في بلد أجنبي وقرب معبد ديانتهم ولعلمي بنفوذهم في ذلك البلد وما قد يسبّبه لي من مشاكل خصوصا مع الصورة السيئة المؤسفة المأخوذة عن الإسلام.
ردة الفعل أثارت فضولي لمعرفة كيف ينظر هؤلاء لنا فبدأت بمجاراته (من غير تطاول على المقدسات أو المساس بها أبدا) وصُعقت من سيل الحقد والغلّ والعداء الذي سال منه تجاه البلد والإسلام بالرغم من أنّي تكلّمت بكلّ احترام ولطف.
وانتهى اللقاء فسرت وأنا أردد في نفسي قول ربي عزّ من قائل وكأنّي أقرأه لأول مرة (وَلَتَجِدَنَّ أشَدَّ الناسِ عَداوةَ للذينَ آمنوا اليهود).
سيّدي ما موقف الشرع الشريف مما فعلته من إنكاري وإخفاء ديني ومجاراتي له؟ آسف على الإطالة سيّدي وأرجو دعاءكم واستغفاركم لي.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

الاسم: محمد

الرد:-
وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته.
بارك الله عزّ وجلّ فيك على مشاعرك الصادقة، ودعواتك المخلصة، وأسأله جلّ وعلا أنْ يرحمني بحسن ظنّكم، ويمكنني من أداء الأمانة بأمانة، وأنْ يجزيكم بمثل دعواتكم وزيادة إنّه سبحانه سميع مجيب.
إخفاء الدين أو العقيدة مرتبط بغلبة ظنّ المسلم بوجود خطر يلحق به إذا أبداهما، قال الله جلّ جلاله:-
{مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [سورة النحل: 106].
ومع أنّ الآية الكريمة تتحدّث عن التصريح بالكفر في حالة الإجبار بحيث يكون البديل هو الخطر المحقّق أو شبه المحقّق ولكن في حالتك غير مضطر للتلفظ بالكفر والحمد لله رب العالمين بل فقط إخفاء دينك أو إنكار أنّك مسلم، قال سيّدنا رسول الله صلّى الله تعالى وسلّم عليه وآله وصحبه ومَنْ والاه:-
(إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ، وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ) الإمام ابن ماجه رحمه الله عزّ وجلّ.
فإنْ كانت الضرورات تبيح المحظورات، فإنّ الضرورات تقدّر بقدرها أيضاً، خاصّة أنّ الدول الأوربية مهما كان لنا عليها من ملاحظات فهي دول قانون وليست شريعة غاب، وهذه الحالة التي ذكرتها حضرتك تكاد تكون نادرة، فالإسلام ولله سبحانه الحمد منتشر في جميع الدول الأوربية، وهي لا تخلو من المساجد، فيجب عدم التساهل في مجاراة غير المسلمين، وتعدّي سبب إخفاء الدين إلى تحاشي الإحراج أو المجاملة وهذا توجيه عام للمسلمين.
ويمكن في حالتك التي ذكرتها أنْ تقول له:- إنك قرأت عن الإسلام، وحاورت مسلمين، وتبدأ بطرح الأفكار بدافع النقاش الهادئ لتتلقى رأيه فيها، وهكذا، لعلّه يجد أنّ حججه داحضة ويراجع نفسه.
وأسأل الله جلّ في علاه أنْ يهدي النّاس أجمعين إلى الدّين المبين، ويرجع المسلمين إلى أصل دينهم الحنيف ويزيدهم تمسكاً به فهو القادر عليه.
وصلّى الله تعالى وسلّم وبارك على نبيّه المكرّم وعلى آله وصحبه أهل الجود والكرم.