13-11-2020
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
سيّدي وقرّة عيني في الدارين رضي الله تعالى عنك وجزاك الله تعالى خير الجزاء عنّا وعن جميع المسلمين وبموقعكم المبارك.
سؤالي/ في أغلب الأحيان نستلم رسائل على مواقع التواصل الاجتماعي وفي نهاية الرسالة يكتب “أمانة في عنقك ترسلها إلى ١٠ أشخاص أو أكثر” أو يكتب “إذا كنت تحب الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أبعثها إلى ١٠ أشخاص أو أكثر” أو يكتب على رسالة في الفيسبوك إذا رأيت منشوري ادخل وصلّ على الرسول صلّى الله عليه وسلّم، فهل يكون الشخص ملزما بما يقولون؟ وإذا لا أفعل هل أكون مذنبا؟
آسف على الإطالة وجزاكم الله تعالى خير الجزاء.
خادمكم الصغير/ عمر طارق
 
من: عمر طارق
 
الرد:-
وعليكمُ السلامُ ورحمةُ اللهِ تعالى وبركاتهُ.
جزاك اللهُ جلّ وعلا خيرًا على تواصُلِكَ وحِرصِك لمعرفةِ حُكمِ الشَّرعِ في شُؤونِ الحياة المختلفة.
بادئ ذي بَدءٍ، فإنَّ الله تبارك اسمه سخَّر للإنسان كُلَّ ما حولهُ ليتبلَّغ به في سيرهِ إليه عزَّ وجلَّ، ومِن نِعمهِ سبحانه في هذا العصرِ أنْ فتحَ على عباده وعلَّمهم إنتاجَ تقنياتٍ تُيَسِّرُ لهمُ التواصُلَ ونقلَ المعلومات والتعارفَ فيزدادوا قُربًا وانتفاعًا، قال الله عزّ شأنه:-
{— وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا —} [سورة الحجرات: 13].
لكن كحالِ الأدواتِ الأخرى التي سخَّرها اللهُ تعالى لهم، يأبى البعضُ إلَّا أنْ يُسيئوا استخدامَها فيضرّوا أنفُسهم وغيرهم.
والفعلُ الموصوفُ في السؤالِ يحُثُّ فيهِ المرسِلُ النَّاسَ على نشرِ الرسالة لآخرين، وربَّما أقسمَ عليهم أنْ يفعلوا، وليس مِن آداب الشَّرع الحنيف أنْ يُلزِمَ المرءُ غيرَهُ بفعلٍ وإنْ كانَ خيرًا أو مستحبًا فضلًا عَن أنْ يُقسِمَ عليهِ بفعلِهِ، ففي ذلك تكليفٌ بما ليسَ بواجِبٍ.
يُستَحبُّ في العُمومِ إبرارُ قَسَمِ المـُقسِمِ ما لم يكُن مكروهًا أو حرامًا، لكنَّا نرى أنَّ الفِعل الموصوفَ وهوَ إرسالُ الرسالةِ إلى عَشَرةِ أشخاصٍ وما أشبهَ ذلك أمرٌ مكروهٌ، فليس على المرءِ أنْ يستجيبَ وإنْ كانَ قسمًا ولا حرجَ عليه.
وأمَّا قولُه “أمانة في عُنُقِكَ تفعلُ كذا” فهوَ في عُرْفِ النَّاسِ ليسَ بقَسَمٍ وإنَّما هوَ كقولِه “عهدٌ بيني وبينَكَ أنْ تفعلَ كذا” وهذا خطأٌ أيضًا فلا عهدَ بينهُما أصلًا، والمرسَلُ إليهِ لم يعاهِدِ المرسِلَ على أيِّ أمرٍ، فلا شيء عليهِ.
هذا وليُعلَم أنَّ كثرةَ الأيْمانِ غيرُ محمودٍ أصلًا فضلًا عن إلقائها على الآخرينَ. قالَ الإمامُ الرازِيُّ رحمه الله جلّ وعلا في تفسيرِ قولهِ سبحانه:-
{وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ —} [سورة البقرة: 224].
“نهى عنِ الجراءةِ على الله بكثرةِ الحلْفِ به، لأنَّ مَن أكثرَ ذِكرَ شيءٍ في معنًى مِنَ المعاني فقدْ جعله عُرضَةً لهُ … وقد ذمَّ اللهُ تعالى مَن أكثرَ الحلْفَ بقوله: {وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِين} [سورة القلم: 10]، وقال تعالى: {وَاحْفَظُوْا أَيْمَانَكُمْ} [سورة المائدة: 89]، والعربُ كانوا يمدحون الإنسان بالإقلالِ مِنَ الحلْفِ … والحكمةُ في الأمر بتقليل الأيْمان أنَّ مَنْ حَلَفَ في كُلِّ قليلٍ وكثيرٍ باللهِ عَزَّ وجلَّ انطلق لسانهُ بذلكَ ولا يبقى لليمين في قلبهِ وَقعٌ، فلا يُؤمَنُ إقدامُهُ على اليمينِ الكاذبة، فيختلُّ ما هوَ الغرضُ الأصلِيُّ في اليمينِ، وأيضًا كُلَّما كانَ الإنسانُ أكثرَ تعظيمًا للهِ تعالى كانَ أكملَ في العبوديةِ، ومِن كمالِ التعظيمِ أنْ يكونَ ذكرُ اللهِ تعالى أجلُّ وأعلى عندَهُ مِن أنْ يَستَشهِدَ بهِ في غرضٍ مِنَ الأغراضِ الدُّنيوية”.
ونظرًا لشُيوعِ استخدامِ وسائلِ التَّواصُلِ في هذا العصرِ، فإنّي أنَبِّهُ إلى جُملةٍ مِنَ الآدابِ العامَّةِ التي ينبغي على المسلمِ أنْ يراعِيَها في استخدامِهِ لها:-
1- التحقُّقُ مِن صِحّةِ المحتوى قبلَ النَّشرِ، فإنْ تعذَّرَ فينبغي التَّوقُّفُ، قال عزّ من قائل:-
{وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [سورة الإسراء: 36].
وقال سيّدنا رسولُ اللهِ صلَّى الله تعالى وسلّم عليهِ وآله وصحبه ومَنْ والاه:-
(كَفَى بالمَرْءِ كَذِبًا أنْ يُحَدِّثَ بكُلِّ ما سَمِعَ) الإمام مسلم رحمه المنعم جلّ جلاله.
2- إنَّ حُكمَ نشرِ الرسائلِ تابِعٌ لِحُكمِ مُحتواها، فما كانَ مُحرّمًا حَرُمَ إرسالهُ وما كانَ مُباحًا جازَ وهكذا.
3- تعظيمُ اسمِ اللهِ جلّ في علاه وكلامِهِ وذكرِ نبيِّهِ صلَّى اللهُ تعالى عليهِ وآلِهِ وصحبِهِ وسلَّمَ أنْ يُبتذلَ في رسائلَ كالمذكورةِ في السُّؤالِ (إذا رأيت منشوري ادخل وصلّ على الرسول صلّى الله عليه وسلّم)، فما هكذا يُدعى إلى تعظيمِ اسمهِ صلوات ربي وسلامه عليه وآله وصحبه، ولا الدَّعوةِ إلى الصَّلاةِ والسَّلامِ عليهِ. وقد يكونُ قصدُ النَّاشِرِ زيادةُ عددِ المتابعينَ لهُ بهذهِ الطَّريقةِ، ولا يخفى ما فيها مِن سُوءِ أدَبٍ مَعَ مَقامِ سيِّدِ الخلقِ صلَّى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلَّم.
4- الأمورُ المهمّةُ كأمورِ الدِّينِ (وحتى أمورُ الدُّنيا كالمتعلِّقةِ بالصِّحَّةِ مثلًا) لا تُؤخذُ مِن وسائلِ التَّواصُلِ التي تحوي الغَثَّ والسَّمينَ. وإنّما تؤخَذُ مِنَ العُلماءِ الربَّانيّينَ العاملينَ موصولي السَّندِ بسيّدِنا مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ تعالى عليهِ وآلهِ وصحبهِ وسلَّمَ. فينبغي عدمُ أخذِ الفتوى إلَّا مِنَ المصادرِ الموثوقةِ حصرًا.
5- على المرءِ مراعاةَ أمورٍ تتعلَّقُ بالنَّشرِ في وسائلِ التَّواصُلِ، كالوقتِ مِن ليلٍ أو نهارٍ، وعدمِ الإكثارِ مِن الرَّسائلِ وإنْ كانتْ مواعِظَ وحضٍّ على الخيرِ فإنَّ ذلكَ يؤدي إلى السَّآمةِ، وعدمِ الإكثارِ مِن رسائلِ التحيَّةِ في كلِّ صَباحٍ ومساءٍ.
6- استخدامُ وسائلِ التَّواصُلِ على قَدَرِ الحاجَةِ، وعدمُ إضاعةِ الوقتِ في القيلِ والقالِ وكثرةِ مُشاهدةِ المقاطِعِ المرئيةِ التي يجرُّ بعضُها بعضًا، يقولُ رسولُ اللهِ عليه الصلاة والسلام وآله وصحبه الكرام:-
(إنَّ اللَّهَ كَرِهَ لكُمْ ثَلَاثًا: قِيْلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ المَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ) الإمامُ مسلمٌ رحمه الله عزّ وجلّ.
كلُّ ما يُقالُ في آدابِ الكلامِ وآفاتِ اللسانِ يصِحُّ نَشْرُهُ في وسائلِ التَّواصُلِ.
وزيادةً في الفائدةِ يُرجى مراجعةُ جوابِ السُّؤالِ المرقَّمِ (2638) في هذا الموقعِ المباركِ.
هذا واللهُ جلّت صفاته أعلمُ.
وصلَّى اللهُ تعالى وسلَّمَ وباركَ على سيّدِ الأوَّلينَ والآخِرينَ، نبيّنا مُحَمَّدٍ، وعلى آلهِ وصحبِهِ أجمعينَ.