2020-11-22
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته سيّدي حفظكم الله تعالى وأمدّكم من مدده. وألبسكم ثوب الصحة والعافية ونفعنا الله تعالى بتوجهاتكم وعلومكم الشريفة، سيّدي لدي سؤال يتعلّق بالميراث:-
مجموعة من الأبناء البعض منهم خرج من والده وشقّ طريقه في الحياة ورتّب جميع أموره الدنيوية، والقسم الآخر لم يسمح لهم الوالد بالخروج منه وهم أصحاب أعمال، كلّ ما يكسبونه يعطونه لوالدهم حتى انتقل الوالد إلى رحمة الله تعالى فطلب الأخوة الذين خرجوا في حياة الوالد تقسيم جميع التركة بالتساوي ولكن الأبناء الذين بقوا مع والدهم اعترضوا على ذلك وقالوا لهم احسبوا لنا أجور عملنا بهذا المال لو خرجنا لكانت أمورنا مشابهة لأموركم المادية وأنتم أعلم بصعوبة المعيشة، وأنتم كلّ منكم رتّب أوضاعه على الأقل نقتسم ما كان باسم الوالد والباقي أجر عمل لنا.. 
حفظكم الله تعالى سيّدنا ونفعنا الله تعالى وأمّة سيّدنا محمّد صلّى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلّم بكم سيّدي وبهذا الموقع المبارك.
 
من: سائل
 
 
الرد:-
وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته.
أسأل الله جلّ في علاه أنْ يجزيك خير الجزاء، ويمنّ عليك بواسع العطاء، إنّه سبحانه سميع مجيب الدعاء، وبعد:-
فإنّ صلة الرحم من الصالحات التي أكّد الشرع الشريف الحفاظ عليها، ونهى عن قطعها أو التقصير في حقّها، وتوعّد قاطعيها؛ فقال سبحانه:-
{فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} [سورة سيّدنا محمد عليه الصلاة والسلام: 22].
وأعلم بأنّ صلة الأرحام أعظم مِنَ الأموال والتركات، وأرجو لمزيد بيان مراجعة جواب السؤال المرقم (2260) وما أُحيل فيه من أسئلة في هذا الموقع المبارك.
أمّا بخصوص السؤال فعلى نحو عام كلّ ما تركه الميت من الأموال يُعدُّ من التركة التي ينبغي أنْ تُقسّم على جميع الورثة كلٌّ بحسب نصيبه المقرّر في الشرع الشريف.
أمّا مسألة عمل الأبناء مع والدهم رحمه الله سبحانه وما نتج منه فإنّه داخلٌ في الميراث، ويُمْنَح الأخوة العاملون أُجرةَ المِثْل على تلك المدَّةِ الَّتي أمضوها في العمل، فإنْ كان الأخوة قد أخَذَوا أُجْرَتهم على تِلْكَ الفترةِ فبِهَا ونِعْمَت، وإنْ بقِيَتْ لهم بقيَّة يأخذونها ثُمَّ يدخل ما دون ذلك في المِيراث.
فالأعمال الَّتِي مارسَها الأخُوة أَصْلُها وما تفرَّع عنها من زيادةٍ ونَماءٍ داخلةٌ في المِيراث، وليْسَ للأخوة العاملين إلّا أُجْرة المِثْل، وتُقَدَّر تِلْكَ الأُجْرة حسَبَ الزَّمان والمكان، وإنْ كان عملهم مع والدهم على حال المساعدة والتبرّع فلا أجرة لهم حينئذ، وإنْ كان عملهم على أنَّهم شركاء فلَهُم حقّ الشَّريك، وإن اختلفتم في التَّوصيف فيُحْكَم بالعرف السائد، وإنْ كان الظَّاهر من السّؤال أنَّهم لم يدخُلوا في عمل الوالِد الَّتي آلتْ لِلورثة على أنَّهم شركاء، وإنَّما هو جَمع بيْن التَّبرُّع والإجارة.
وأنبّه السَّائلَ الكريم إلى خطورة شأْنِ التَّركات وتشعّبه، ولذلك ننصحُ بِرَفْعِ الأمر للمحكمة الشَّرعيّة المختصة ليصدر القسام الشرعي لبيان الورثة المستحقين للتركة، وليَحْذر الأخوة من الجور على حقوق بعضهم، فعن السيدة أُمّ سلمة رضي الله تعالى عنْها أنَّ سيّدنا رسولَ الله صلَّى الله تعالى وسلّم عليه وآله وصحبه ومَنْ والاه سمِع خصومةً ببابِ حُجْرَته، فخرج إليهم، فقال:-
(إنَّما أنا بشر وإنَّه يأتيني الخصم، فلعلَّ بعضَكم أن يكونَ أبلغَ من بعض، فأحسب أنَّه صدق، فأقضِي له بذلك، فمَنْ قضيْتُ له بحقّ مُسلم فإنَّما هي قطعةٌ من النَّار، فليأخذها أو فليتركها) الإمام البخاري رحمه الباري جلّ وعلا.
وقال النبيّ الكريم عليه وآله وصحبه الصلاة والتسليم:-
(مَن أخَذَ شِبْرًا من الأرض ظُلْمًا، فإنَّه يُطَوَّقُه يومَ القيامة من سبع أَرَضينَ) الإمام مسلم رحمه المنعم عزّ شأنه.
فيا حبذا أنْ يُمنح الأخوة العاملون أجرة المثل لتلك الفترة في جوّ من المودّة والرحمة واللطف ثمّ يقسم باقي التركة بينكم بالتساوي في حالة عدم وجود وارث آخر مثل الأم أو زوجة ثانية أو أخوات، ولزيادة الإفادة والاطلاع أرجو مراجعة جواب السؤالين المرقمين (2244، 2297) في هذا الموقع الكريم.
والله جلّ جلاله احكم وأعلم.
وصلّى الله تعالى على النبيّ الكريم، وآله وصحبه أولي الفضل العميم، وسلّم تسليمًا كثيرًا ما هبّ النسيم.