26/5/2010
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته :
بعض العلماء حذَّر من القصيدة العينية للشيخ الجيلي خاصة هذا البيت:
قطعت الورى من نفس ذاتك قطعة          ولا أنت مقطوع ولا أنت قاطع
وذكر الشيخ الشعراني إن بعض الخلفاء ضرب عنق من قال في شعره ذلك اهـ.
وممَّا أشكل عليّ فهمه من القصيدة قوله:
وما الخلق في التمثال إلا كثلجة          وأنت بها الماء الذي هو نابع
فما الثلج في تحقيقنا غير مائه          وغير ان في حكم دعته الشرائع
ولكن بذوب الثلج يرفع حكمه          ويوضع حكم الماء والأمر واقع
فالأبيات تشير إلى أنَّ الإثنينية أو الغيريَّة ليست تحقيقاً ولكن تشريعاً لكن ألم يقل لنا العلماء أن كل حقيقة غايرتها الشريعة فهي زندقة؟
وقال الشيخ ابن عجيبة رحمه الله في إيقاظ الهمم بعد ذكر الأبيات السابقة:
فمن وقف مع ظاهر الثلجة أنكر الماء الذي في باطنها وكان جاهلاً بحقيقتها ومن نفذ إلى باطنها عرف أصلها وفرعها وكذلك الأكوان ظاهرها غرة لمن وقف مع كثافتها وباطنها عبرة لمن نفذ إلى أصلها وقد مثلوا أيضاً الكون بصورة جبريل حين كان يتصور في صورة دحية فمن رآه كثيفاً قال دحية وأنكر أن يكون ملكاً ومن عرف أصله لم ينكره ولم يقف مع ظاهره فإذا تلطف ورجع إلى أصله ذهبت تلك الصورة واضمحلت فكذلك الكون إنما هو خيال فما دام موجوداً في الحس رأى وظهر فإذا رجع إلى أصله بظهور أسراره التي قام بها اضمحل ولم يبق له أثر وقد أشار إلى هذا صاحب العينية أيضاً بقوله:
تجليت بالتحقيق في كل صورة          ففي كل شئ من جمالي لوامع
فما الكون في التمثال إلا كدحية          تصور روحي فيه شكل مخادع
سؤالي هو : ألا يكفي اعتقادي بأنَّ الخلق يستمد وجوده الحقيقي من الحق وأنه هالك باطل بدون الله ؟.. أم عليَّ أن أعتقد أنَّ الحق والخلق وحدة واحدة باعتبار الحقيقة وأنهما متغايران باعتبار الشريعة؟ وهل أكون فاسقاً بإنكار ذلك أو إن اعتقدت أن ذلك يوجب الكفر؟ وما رأي المحققين في معنى ثلجية الماء المشار إليها في الأبيات مع التفصيل من فضلكم . إذ أنني سمعت من يقول بأنَّنا لم نوجد من عدم إذ العدم لا وجود له وإنما من قبضة نورانية قبضها الحق من غير تجزئة أو انفصال شيء من شيء فقال لها كوني محمدا ثم خلق الخلق من هذا النور..
الاسم: مصطفى صالح عرابي

الـرد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فبداية أنصح جميع الأخوة بالابتعاد عن مطالعة بعض هذه الكتب التي قد تفهم على غير حقيقتها وعلى غير قصد كتّابها، أو ربما يكون بعضها ألصقت بهم، وفي كتب علوم القرآن الكريم والسنة المطهرة وباقي علوم الشرع الشريف مندوحة عن الغوص في إشكالات غيرها من الكتب، مع حسن ظننا بمؤلفيها رحمهم الله تعالى، وما أشيع من عبارة (وحدة الوجود) فهي تنافي العقيدة السليمة الصحيحة للمسلم، ويمكن حملها على تجلي الله سبحانه وحسن إبداعه في مخلوقاته كما قال سيدي حضرة الشيخ عبدالله الهرشمي طيب الله ثراه في تشطيره لقصيدة الإمام الشافعي رحمه الله تعالى:
حتى تجليت فالأكوان شاهدة          بأنك الله ذو الآلاء والقدس
ونحن والحمد لله تعالى نعتقد بأن الشريعة المجمع عليها -أي المعلومة من الدين بالضرورة- لا تجوز مخالفتها بشي، ومن ينكرها ينكر الدين، فليس للشريعة ظاهر وباطن مختلفان، أما تشبيه هذا الادعاء بتمثل سيدنا جبريل عليه السلام بصورة الصحابي دحية الكلبي رضي الله عنه فمن المعلوم أن الملائكة يتشكلون ويتغيرون بأشكال كالمصابيح أو صورة إنسان جميل الوجه كسيدنا دحية رضي الله عنه لحكمة عدم تحمل طاقة البشر في بعض الأحيان لمنظر الملك بصورته الحقيقية وحكم أخرى لا نعلمها، الله تعالى يعلمها، وهذا خاص بهم.
أما سؤالك: ألا يكفي اعتقادي بأنَّ الخلق يستمد وجوده الحقيقي من الحق وأنه هالك باطل بدون الله؟
نعم هذا هو الاعتقاد السليم والفطرة الصحيحة والدين الذي ندين الله تعالى به، فالله تعالى هو قيوم السموات والأرض قال جل جلاله وعم نواله {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} فاطر 41. فحاش لله أن يقول مسلم بأن الحق عز وجل والخلق وحدة واحدة لا صورة ولا معنى تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
أما من يقول أننا لم نخلق من عدم فالله عز وجل لا يعجزه شي، فإن كان قد خلق آدم من طين فيستطيع سبحانه أن يخلقه من أي شيء كان غير الطين أو من لا شيء قال عز وجل {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا} الإنسان 1، ولكن لحكمة الباري عز وجل خلق بعض الخلق من عالم الأسباب والبعض الآخر من عالم الأمر وتبقى قدرته سبحانه كما قال {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} سورة يس 82.
والله سبحانه وتعالى أعلم.