31/8/2010

السؤال:

السلام عليكم سيّدي ورحمة الله تعالى وبركاته أرجو من الله تعالى لحضرتكم دوام العافية ولا تنسونا من دعائكم.

سؤالي هو:

إنني أعيش مع زوج يحبّني وأحبّه والحمد لله ولنا أطفال ثلاثة بفضل الله تعالى وبركة دعائكم، ولم أقصر يومًا في خدمته وهو يقرّ بذلك، ولكن بين الحين والآخر يفتح موضوع الزوجة الثانية ويقول إنّها من السنّة، والإسلام يرغّب بذلك.

أمّا بالنسبة لي فأنا ليست لديّ ممانعة قاطعة في ذلك إلّا لشيئين:-

الأول: مسألة الفراش لا حياء في الدين.

والثاني: أخشى من شماتة النساء بي، ولأنني أعيش في منطقة صغيرة وزوجي له مكانته في المنطقة.

فأرجو من حضرتكم سيّدي بيان الرأي الشرعي في ذلك وتوجيه حضرتكم.

وأعتذر عن الإطالة، ولا تنسوني من الدعاء.

 

الاسم: ابنتكم في الله

 

الـرد:-

وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته.

جزاك الله جلّ وعلا خيرًا على دعائك، وأنا أدعو لكِ كذلك بخيري الدنيا والآخرة.

وأثني على محبتك وإخلاصك لزوجك وهذا من سمات المرأة المسلمة الصالحة. وإكمالًا لهذه الخصال الطيّبة هو أنْ تطيعيه بما ترين أنّه صعب عليك، ولعلّ الله جلّ وعلا أنْ يكتب لكِ أجرًا في موافقتك على ذلك لا تبلغيه بقيام أو صيام، فأفضل الأعمال أشقّها على النفس، وفي ذلك طاعة لله عزّ وجلّ ولرسوله صلّى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلّم قبل أنْ تكون طاعة لزوجك، وقد قال ربنا جلّ جلاله:-

{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُّبِينًا} [سورة الأحزاب: 36].

أمّا ما ذكرتيه من مخافة شماتة النساء، فالشماتة من أسوأ الصفات التي ذمّها ديننا العظيم، بل هي مذمومة من كلّ الفطر السليمة، ويجب توعية مَنْ يتصفون بذلك ويحذّرون من وعيد سيّدنا صلوات ربي وسلامه عليه وآله وصحبه ومَنْ والاه بقوله:-

(لَا تُظْهِرِ الشَّمَاتَةَ لِأَخِيكَ فَيَرْحَمَهُ اللَّهُ وَيَبْتَلِيكَ) الإمام الترمذي رحمه الله عزّ وجلّ.

فعليك نصحهم وعدم الالتفات إلى ما تسمّينه -شماتتهم- وأدعو الله عزّ شأنه أنْ يوفقك ويرضيك بما كتب لك.

ولا بدّ من كلمة أوجّهها للإخوة الذين يفكّرون بالزواج للمرّة الثانية أنْ يضعوا نصب أعينهم ضوابط الشرع الشريف في ذلك، ففي حديث سيّدنا رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام وآله وصحبه الكرام والذي حثّ فيه على الزواج قال:-

(يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ) الإمام البخاري رحمه الباري سبحانه.

والباءة المذكورة في الحديث الشريف هي الصعوبة والمسؤولية في الزواج وتوفير متطلباته، أي بمعنى آخر أنّه يشترط توفّر القدرة على ذلك قبل القدوم على الزواج كي يحافظ على الأمانة التي استودعها أهل الفتاة للزوج.

كلّ هذا في الزواج الأوّل مع ما حثّ عليه ديننا العظيم فما بالكم في الزواج الثاني؟ فهو أولى من ذلك لأنّه يمسّ امرأتين وعليه أنْ يوفّر لهما الحياة الكريمة من استقلال بالسكن ومساواة بالمأكل والملبس والمبيت وإلّا جاء يوم القيامة وشقّه مائل كما أخبر حضرة خاتم النبيين عليه الصلاة والتسليم وآله وصحبه الميامين حيث قال:-

(إِذَا كَانَ عِنْدَ الرَّجُلِ امْرَأَتَانِ فَلَمْ يَعْدِلْ بَيْنَهُمَا جَاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَشِقُّهُ سَاقِطٌ) الإمام الترمذي رحمه الله جلّ جلاله.

وفي رواية أخرى قال:-

(— جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَدُ شِقَّيْهِ مَائِلٌ) الإمام النسائي رحمه الله تعالى.

وفي مقابل ذلك وعدهم الباري عزّ وجلّ عند عدلهم بالبشرى العظيمة على لسان حبيبه صلوات ربي وسلامه عليه وآله وصحبه إذ قال:-

(إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ، عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ، وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ، الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا) الإمام مسلم رحمه المنعم جلّ وعلا.

والله تبارك اسمه أعلم.

وصلّى الله تعالى وسلّم على سيّدنا محمّد، وعلى آله وصحبه أجمعين.