5/2/2011

السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته شيخي الحبيب.

س: رجل يكتفي بحضور ختم الفجر والعصر يوميًّا دون الذهاب إلى ختم الخميس وبدون عذر، كذلك هناك جماعة يكتفون بما يقام من ختم في مناطقهم وعدم المجيء إلى ختم الخميس وبدون عذر.

وعلى ضوء ما تقدم، هل لختم الخميس خصوصية عن باقي ما يقام في المساجد الأخرى الخاصة بأحبابنا، والتي تقتضي عدم الاكتفاء بغيره؟

وجزاكم الله عنّا خير الجزاء

 

الاسم: أبو زيد

 

الـرد:-

وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته.

لختم يوم الخميس خصوصية المكان، فمن المعلوم أنّ هذا المكان المبارك شهد على مرّ هذه السنين حضور الكثير من الصالحين رضي الله تعالى عنهم وعنكم بمختلف درجاتهم عند الخالق سبحانه، وحمل ذكريات لقاءات الأحباب معهم وما تخللها من تعليم وتوجيه وإرشاد وتوجّه روحي وتعظيم لشعائر الله جلّ في علاه، والذكريات لها أثرها البالغ في سلوك الإنسان بشكل عام، لذلك أمرنا الله عزّ وجلّ بتذكرها بأسلوب بياني عظيم خاطبنا فيه من خلال شخص حبيبه صلّى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلّم فقال عزّ من قائل:-

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} [سورة سيّدنا إبراهيم عليه السلام: 5].

وقال جلّ جلاله وعمّ نواله:-

{وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [سورة الذاريات: 55].

ومسألة الاعتناء بالمكان الذي له ارتباط بذوات شريفة لها أصل في شرع الله عز شأنه، فقد أمر سبحانه أنْ نتّخذ من مقام سيّدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام مصلّى فقال جلّ وعلا:-

{… وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى …} [سورة البقرة: 125].

فربط الله جل ذكره بين المكان وصاحبه عليه الصلاة والسلام، وقال سبحانه على لسان سيّدنا زكريا عليه السلام عندما رأى كرامة سيّدتنا مريم عليها السلام في المحراب:-

{هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء} [سورة آل عمران عليهم السلام: 38].

فـ (هنالك) اسم إشارة للمكان، والمقصود به المحراب، فهو عليه السلام اغتنم بركة هذا المكان الذي يشهد تبتّل هذه السيّدة المباركة عليها السلام، وما وجد من شواهد تدلّ على إنعام الخالق جلّت قدرته عليها فدعا بما حرص على حصوله وهو الذرية الطيّبة فلم تتأخر الإجابة، وكما قال الشاعر:-

قَوْمٌ كِرَامُ السَّجَايَا حَيْثُمَا جَلَسُوْا *** يَبْقَى المَكَانُ عَلَى آثَارِهِمْ عَطِرَا

ومن تراثنا المبارك أذكر أنّ الإمام تقي الدين السبكي رحمه الله تعالى سكن فترة دار الحديث في الأشرفية (مدرسة الإمام النووي رحمه الله عزّ وجلّ) بمدينة دمشق، فكان يخرج في الليل يتهجّد ويمرّغ خدّيه على الأرض فوق البساط الذي كان الإمام النووي رحمه الله تعالى يُدَرِّسُ عليه فينشد:-

وَفِي دَارِ الحَدِيْثِ لَطِيْفُ مَعْـنَى *** عَلَى بُسُطٍ لَهَا أَصْبُو وَآوِي

عَسَى أَنِّـي أَمُـسُّ بِـحُـرِّ وَجْهِي *** مَكَـانًـا مَـسَّـهُ قَـدَمُ النَّـوَاوِي

وقد كان شيخنا (عبد الكريم الدبان التكريتي) رحمه الله تعالى، وهو مَنْ هو فضلًا وعلمًا وتقًى، زينة علماء العراق، وَبَدْر مدينة تكريت الساطع، تعجبّه الصلاة في مسجد سيّدنا الشيخ عبد القادر الكيلاني رضي الله تعالى عنه يلتمس بركات مَنْ صلّوا فيه عبر مئات السنين. وهو يوصي -رحمه الله تعالى- بالحرص على الصلاة في المساجد القديمة لهذا الغرض.

ومن هنا يحمل الختم الشريف ليوم الخميس خصوصية المكان والزمان وضرورة ارتباط المسلم بتراثه المبارك، ولذا أوصي الأحباب بشكل خاص، والمسلمين بشكل عام إذا سنحت لهم الفرصة أنْ يحضروا ولو على فترات متباعدة لهذه المقاصد ولغيرها ممّا لا يخفى على أهل الذوق والشوق..

وهنا أروي قصّة تبيّن بركة هذا المكان الطاهر، ففي أحد الأيام، وقبل أنْ نقوم بتوسعة المسجد، شرّفني سيّدي حضرة الشيخ عبد الله طيّب الله تعالى روحه وذكره وثراه، ثمّ جلس مسندًا ظهره الشريف إلى الشبّاك القريب من مدخل الحرم وتلا عليّ قصيدته:-

تَدَارَكْنِي بِلُطْفِكَ يَا إِلَهِي *** فَقَدْ غَرَّتْنِي هَاتِيْكَ المَلَاهِي.

ثم طلب منّي أنْ أجلب قلمًا وورقًا كي أكتبها، وعندما عدتُّ وجدتُّه رضي الله سبحانه عنه في حال روحانية لم أشأ أنْ أقاطعه فيها، فلمّا انتبه إلىّ قال:-

(يَا وَلَدِي، إِنَّ مَسْجِدَكَ هَذَا مُبَارَكٌ، وَسَيَكُوْنُ لَهُ شَأْنٌ فِي حَيَاةِ النَّاسِ)

وقد روى لي فضيلة الشيخ عبد السلام البكر حفظه الله تعالى ونفع به أنّه سمع الحاج صبيح محمود الصالح (أبو محمود) رحمه الله عزّ وجلّ يحدّث عن سيّدي حضرة الشيخ عبد الله رضي الله تعالى عنه وأرضاه أنّه قال:-

(يَا حَاج صَبِيْح سَيَكُوْنُ لِهَذَا المَسْجِدِ شَأْنٌ).

فالحمد لله على مننه وأفضاله، وأسأل الله تبارك اسمه أنْ يديمها على هذا المسجد وبقيّة مساجد المسلمين.

والله عزّ شأنه أعلم.

وصلّى الله تعالى وسلّم على سيّدنا محمّد، وعلى آله وصحبه أجمعين.