2012/06/12

السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته…

سيّدي وقرّة عيني أرجو من جنابكم الكريم أنْ توضحوا لي هذه المسألة:-

إنّ للأبناء على الآباء حقوقاً في الدين الإسلامي. فيرجى موافاتنا بها والمدى الزمني لها.

 

الاسم: عثمان عبد الرحمن

 

الرد:-

وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته.

لا شكّ أنّ للأبناء حقوقاً على آبائهم لم يذكرها القرآن الكريم لبديهة العناية والرأفة التي استودعها الخالق عزّ وجلّ في الوالدين تجاه أبنائهم فطرة، يُستثنى من ذلك النهي عن الوأد الذي كان شائعا في الجاهلية لأسباب معروفة كما جاء في قوله عزّ شأنه:-

{وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا} [سورة الإسراء: 31].

ولا يمكن حصر هذه الحقوق هنا ولكن يمكن ذكر بعضها:-

أنْ يحسن اختيار أمّه، ومعنى ذلك أن يتخير الزوجة الطيبة المنبت كي تكون أمّا صالحة مربية لأولاده لا يأتيه الغمز من قبلها.

ومن حق الولد على والده أن يحسن اسمه، وقد كان عليه الصلاة والسلام وآله وصحبه الكرام يتخيّر الأسماء الطيّبة وينصح بها فقال:-

(خَيْرُ الأَسْمَاءِ عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَحَارِثٌ، وَهَمَّامٌ، حَارِثٌ يَحْرُثُ لِدُنْيَاهُ، وَهَمَّامٌ يهِمُّ بِالْخَيْرِ، وَشَرُّ الأَسْمَاءِ حَرْبٌ وَمُرَّةُ) الإمام مسلم رحمه المنعم جلّ وعلا.

وقال:-

(إِنَّكُمْ تُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَسْمَائِكُمْ، وَأَسْمَاءِ آبَائِكُمْ، فَأَحْسِنُوا أَسْمَاءَكُمْ) الإمام أبو داود رحمه الودود تقدّست أسماؤه.

بل كان عليه الصلاة والتسليم وآله وصحبه الميامين يستبدل بعض أسماء الصحابة رضي الله تعالى عنهم التي ورثوها عن الجاهلية بأخرى ذوات معان جميلة مثل (زيد الخيل) إلى (زيد الخير) و(العاصية) إلى (جميلة).

ومن حقوق الولد أن يُؤذّن في أذنه اليمنى ويقيم في أذنه اليسرى كما ورد أنّ سيّدنا رسول الله صلّى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلّم:-

(أَذَّنَ فِي أُذُنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ يَوْمَ وُلِدَ، فَأَذَّنَ فِي أُذُنِهِ الْيُمْنَى، وَأَقَامَ فِي أُذُنِهِ الْيُسْرَى) الإمام البيهقي رحمه الله جلّ في علاه.

وذلك لكي يكون أوّل ما يدخل سمعه ذكر االله عزّ وجلّ ونداء الصلاة وهي تذكرة للعهد الذي أخذه الله سبحانه من بني آدم كما في قوله:-

{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} [سورة الأعراف: 172].

ويستحبّ أنْ يعيذه بالله جلّ جلاله وذلك من خلال قراءة المعوّذات كسورة الفلق والناس، وقوله تعالى:-

{— وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [سورة آل عمران عليهم السلام: 36].

ومن حقوق الولد أنْ تذبح عنه عقيقته، قال حضرة النبيّ صلّى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلّم:-

(كُلُّ غُلَامٍ رَهِينٌ بِعَقِيقَتِهِ تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ سَابِعِهِ وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ وَيُسَمَّى) الإمام النسائي رحمه الله جلّ جلاله.

ثمّ بعد ذلك على الوالد أنْ يحسن تربية ولده وتعليمه، قال عليه الصلاة والسلام وآله وصحبه الكرام:-

(مَا نَحَلَ وَالِدٌ وَلَدَهُ أَفْضَلَ مِنْ أَدَبٍ حَسَنٍ) الإمام أحمد رحمه الفرد الصمد تقدّست أسماؤه.

وكان يوجّه الفتية في تصرفاتهم كقوله:-

(يَا غُلَامُ، سَمِّ اللَّهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ) متفق عليه.

كلّ ذلك يبيّن ضرورة حسن تربية الأولاد وتعليمهم وإرشادهم. وهو من باب القيام بالمسؤولية فقد قال ربنا جلّ وعلا:-

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [سورة التحريم: 6].

وقال سيّدنا رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه وآله وصحبه ومَنْ والاه:-

(أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْإِمَامُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى أَهْلِ بَيْتِ زَوْجِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْؤولَةٌ عَنْهُمْ، وَعَبْدُ الرَّجُلِ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ، وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) متفق عليه.

وقد قال الشاعر:-

وَيَنشَأُ نَاشِئُ الفِتيانِ مِنّا *** عَلى مَا كانَ عَوَّدَهُ أَبُوْهُ

وقال آخر:-

وَهَلْ يُرْجَى لِأَطْفَالٍ كَمَالٌ *** إِذَا رَضَعُوْا ثُديَّ النَّاقِصَاتِ

 

وهكذا تتدّرج مهام التربية والتوجيه مع تقدم العمر، ففي الصلاة قال صلّى الله تعالى على ذاته وصفاته وآله وصحابته:-

(مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ) الإمام أبو داود رحمه الودود سبحانه.

ومن حقّ الولد على والده أنْ يعلّمه حرفة لائقة لا تزدري به.

وعلى الوالد الإنفاق على ولده الذكر لحين استطاعته الإنفاق على نفسه، وعلى ابنته لحين الدخول بها، وأنْ يبذل جهده في تزويجه مادياً ومعنوياً قدر استطاعته وحسب ظروفه، قال عليه الصلاة والسلام وآله وصحبه الكرام:-

(دِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي رَقَبَةٍ، وَدِينَارٌ تَصَدَّقْتَ بِهِ، وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ، أَفْضَلُهَا الدِّينَارُ الَّذِي أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ) الإمام مسلم رحمه المنعم جلّ وعلا.

وهذه المسؤوليات تستمر في عمره إذ لا غنى للولد عن توجيه الوالدين وحكمتهم وخبرتهم في الحياة.

والله جلّت حكمته أعلم.

وصلّى الله تعالى وبارك وسلّم على سيّدنا محمّد، وعلى آله وصحبه أجمعين.