2012/12/7

مشاركة من فضيلة الشيخ مثنى حسن الجبوري جزاه الله تعالى خيرا.

خطر الألعاب الإلكترونية

في الوقت الذي يشهد فيه العالَم تقدّما وتطوّرا ملحوظا في مجال العلم والتكنلوجيا فإنّ طلبتنا في تراجع مستمر لمستواهم العلمي والدراسي، يزدادون جهلا لا علما، وتراجعا لا تقدّما، وضعفا لا قوّة، ورسوبا لا نجاحا، وتلكئا لا اجتهادا ولا مثابرة، نفروا من طلب العلم وكرهوا دراسته، فإذا قيل لأحدهم: غدا عطلة، ترى في وجهه الفرح والبِشْر وكأنّه قد أعطي كتابه بيمينه، وإذا قيل له العكس رأيت على وجهه الهمّ والغمّ وكأنّه يساق إلى حتفه، علما أنّ الكثير منهم قد اتخذوا من مدارسهم ومعاهدهم وكلياتهم منتدىً للقاء الأصدقاء لا لطلب العلم والاستفادة من الأساتذة والعلماء، وممّا يزيد الأمر ألماً وحسرةً أنّ الكثير منهم أيضا كانت بداياتهم في طلب العلم جيّدة لكن كلّما كبُر سنّهم وتقدّموا في المراحل الدراسية هبط مستواهم، والآباء والأمّهات وحتى الأساتذة يعرفون هذا ويعانون منه، فما هو السبب؟
الحقيقة أنّ الأسباب كثيرة منها: الوضع الأمني، ضعف التدريس، هشاشة المناهج أو صعوبتها، وغيرها من الأسباب، لكنّي سأسلط الضوء على سبب مهمّ أكّدته دراساتٌ حديثة، ما هو هذا السبب؟
إنّه الألعاب الإلكترونية سواء كانت على أجهزة الحاسوب، أو اللابتوب، أو الآي باد، أو الهواتف النقالة.
نعم فأغلب أولادنا إنْ لم يكونوا كلّهم على أتمّ الاستعداد لئِنْ يقضّوا الساعات الطوال وهم يلعبون دون كلل أو مَلال، فإذا قلنا لهم: قوموا إلى دروسكم فاقرءوها، وإلى واجباتكم فأنجزوها، سمعنا منهم ما يسوؤنا، ورأينا منهم ما لا يسرّنا، أليس هذا صحيحا؟ بلى والله، وإذا أرْغِمُوا على الدراسة فإنّهم يقرءون وقلوبهم وعقولهم مشغولة متى يُسمحُ لهم باللعب؟ وربّما يوهمونا بأنّهم يقرءون وهم في الحقيقة يلعبون.
لقد ثبت بالدليل العلمي القاطع أنّ الألعاب الإلكترونية تنمّي الغباء عند مَنْ يمارسها لا الذكاء كما يعتقد الكثيرُ من النّاس، وذلك من خلال تدميرها لثلاث قدرات مهمّة للعقل وهي:-
1- القدرة على الانتباه.
2- القدرة على التركيز.
3- القدرة على التذكّر.
ولهذا نجد أبنائنا اليوم ما إنْ أمسك أحدُهم كتابه ليقرأ، لَمْ تمض إلا دقائق معدودة حتى شرد ذهنُهُ، وطاش فكرُهُ، فلمْ يعِ، ولمْ يدركْ شيئا ممّا قرأ، وقد يُمسك كتابه ويجلس في غرفته ساعات، والأبوان المسكينان يحمدان الله تعالى في سرّهما لِمَا يريانِ من حال ولدهما ويقولان: إنّ ولدَنا سينجح بتفوّق، لكنّ الصدمة وخيبة الأمل تتحققان عندما تأتي النتيجةُ برسوبه.
كيف حصل ذلك؟ لأنّ قراءته كانت تفتقر للانتباه والتركيز، فلمّا ذهب إلى الامتحان لم يتذكّرْ شيئا ممّا قرأه فلمْ يستطع الإجابة فرَسَب.
إذن: عندما نسمح لأبنائنا بممارسة هذا الألعاب فإننا نعينهم على تدمير أنفسهم وقدراتهم المهمة في حياتهم وسلوكهم: القدرة على الانتباه، القدرة على التركيز، القدرة على التذكّر.
وإنّ هذه القدرات تُدمَّر بعد مرور ثلاثة أشهر من استمرارية اللعب لمدّة لا تزيد عن (20 – 30) دقيقة يوميا، فما بالكم إذا كان اللعب يستمر يوميا لساعات ويمتد لسنوات؟
والسبب الذي يجعل تلك القدرات العقلية تضعف إلى هذا الحد هو: أنّ دماغ الإنسان يبث ذبذبات تتراوح من (14 – 20) ذبذبة في الثانية في الحالات الطبيعية، ومن (21 – 28) ذبذبة في الثانية في الحالات الاستثنائية.
فممارسة الألعاب التي فيها مطاردة وجري وسرعة وتخفّي وسباق، تجعل الدماغ في أعلى درجة من درجات الحالة الاستثنائية، أي (28) ذبذبة في الثانية، وذلك لأنّ اللاعب إنّما يطارد ويجري ويسرع بمخّه وعقله، لا بيده ولا برجله، وهذا يجهد العقل ويتعبه، ويؤدي إلى تدمير قدراته وإضعاف إمكانياته.
والفائدة التي يحصل عليها أولادنا جرّاء ممارستهم لهذه الألعاب وما أراها بفائدة هي التعلّم بالتراكم، ما معنى ذلك؟
إذا جيء بلعبة جديدة لابنك فإنّه سيجد في البداية صعوبة في التغلّب عليها لكنّه بالاستمرارية سيتمكن منها وستكون في المستقبل القريب لعبة سهلة لا يجد الصعوبة التي كان يعاني منها أوّل مرة، وذلك لأنّ دماغه قد حفظها وأدركها وعرف كلّ ما يتعلّق بها حتى إنّه في كثير من الأحيان يعرف ماذا سيحصل له أو معه في الوقت الفلاني من بداية اللعبة، وهذا ناتج عن تراكم الخبرة عنده، وتكرار التراكمات المعرفية بسبب الإكثار من اللعب.
كما إنّ هذه الألعاب فيها مخاطر أخرى كبيرة لا ينبغي تجاهلها، منها:-
 
1- هدر الطاقات، وضياع الأوقات، باتباع الشهوات والملذات، وكان الأوْلَى استثمارهما بالطاعات، وأداء الواجبات، وذكر ربّ الأرض والسموات، عملا بوصية سيّد السادات، وإمام القادات، وقائد الكلّ في الحضرات، سيّدنا محمد عليه أفضل الصلوات وأتمّ التسليمات، وعلى آله وصحبه ذوي الفضائل والمكرمات، إذ قال:-
(اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتِكَ قَبْلَ مَوْتِكَ) الإمام النسائي رحمه الله عزّ وجلّ.
2- تجهد البصر وتتعبه وهذا يؤدي إلى احمرار العينين، وازدواجية الرؤية، وتعب الجفون، وصداع في الرأس، وغيرها.
3- ضعف القوّة البدنية بسبب كثرة الجلوس وقلّة الحركة، فتضمر العضلات ويصيبها الخمول، وهذا سبب رئيس للكثير من الأمراض، وممّا ابتلي به أبناؤنا بسبب هذا رغم صغر سنّهم، البدانة والسُمنة.
4- تجعل اللاعب صاحب شخصية انطوائية، انعزالية، انسحابية، قلقة، والعواقب النفسية لهذه الصفات لا تخفى على عاقل متبصّر، كما أنّ هذا يؤدي إلى التفكك الأسري، وأتمنّى من الآباء والأمهات أنْ يسألوا أنفسهم كم هو الوقت الذي يجلس فيه أبناؤهم وبناتهم معهم؟
إنّ أبنائنا وبناتنا لا يجدون الوقت ليجلسوا معنا لا بسبب انشغالهم بالدراسة، بل باللعب، وبهذا تضعف روابط الألفة والمحبة بينهم.
حدّثني أحد الأصدقاء فقال: دخلت إلى البيت فلم أرَ في الصالة أحدا من أبنائي وبناتي، فناديتُ عليهم فلم أسمع ردًّا حتى ظننتُ أنّه لا أحد في البيت، قال: ثمّ فطنْتُ إلى الإنترنت فقمتُ وأطفأتُ (الراوتر) ثمّ عدت إلى مكاني في الصالة، قال: فلم تمض إلا ثوانٍ معدودة حتى خرج الكلّ من غرفهم وقد اتجهوا صوب الراوتر ليتأكدوا من سبب انقطاع الشبكة عنهم.
لم يخرجوا لأبيهم عندما ناداهم إمّا لأنّهم تغافلوا عن سماع صوته، أو لأنّهم لم يسمعوه أصلا، لا لعيب في آذانهم، بل لانشغال عقولهم إلى الحدّ الذي صُمّتْ فيه آذانُهم، ناهيك عن انشغالهم بالفيس بوك، والتويتر، والفايبر، والواتساب، وغيرها.
5- تخرّب القيم والأخلاق، فالكثير من الألعاب مبرمجة لإثارة قضية خطيرة جدا وهي: عندما يفوز اللاعب تقدّم له هديّة إباحية تحرّك غرائزه السلبية المكنونة فيه وعواقب هذا الأمر وخيمة.
6- كثير من الألعاب التي تُصدّر إلينا ويهواها أبناؤنا مبرمجة لتقسية القلب وتنمية العنف ليكونوا في المستقبل قتلة مجرمين، وسارقين محترفين.
وكثيرٌ منها أيضا صُمِّمَ خصيصا للمسلمين لا لشيء إلا لتدمير صرح الإيمان في قلوبهم والاستهزاء بمقدساتهم، فلقد حدثني مَنْ أثقُ به فقال: هناك لعبة فيها مطاردة بين جندي غير مسلم ورجل عربيّ مسلم، أتدرون أين تصل هذه المطاردة؟ إلى بيت الله الحرام عند الكعبة المشرفة، ويقوم الجندي بوضع لغم عند الحجر الأسود فإذا مرّ منه العربيّ المسلم فجّره حتى يتطاير الاثنان في الجوّ.
وهناك لعبة أخرى لا تمكّن اللاعب من الاستمرارية فيها حتى يَطأ القرآن الكريم بأقدامه.
ولا أدري أيّ خير يرتجى من هذه الألعاب التي يسعى الآباء والأمهات لتوفيرها لأبنائهم وبناتهم ثمّ يأتون بعد ذلك يَشْكُون من عقوقهم، وهم مَنْ أعانهم على هذا العقوق، فاتقوا الله يا عباد الله في أولادكم وتذكّروا قول الحقّ سبحانه وتعالى:-
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6].
وقوله الكريم:-
{— رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان:74].
 
الرد:
جزاك الله جلّ وعلا خيرا على هذه المشاركة القيّمة، وأسأله عزّ وجلّ أنْ يحفظ أولادنا وعوائلنا جميعا، ويوفقهم لخدمة هذا الدين، ويجعل قلوبهم متعلقة به جلّ وعلا، وبنبيّه صلى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلم، وبعباده الصالحين رضي الله تعالى عنهم أجمعين، ويحبّب إليهم العلمَ وأهله ليكونوا من العلماء العاملين، برحمته إنّه سبحانه أرحم الراحمين.