2013/07/04

السؤال:

السلام عليكم فضيلة الشيخ…

أرجو تبيان حكم تارك الواجب والسنن المؤكدة كسلاً أو جهلاً .. وإيضاح الواجبات والسنن المؤكدة لأني سمعت أنّ تاركها يعاقب وجزاكم الله خيراً.

 

الاسم: خطاب

 

الرد:

وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته.

الواجب  في الاصطلاح: ما يثاب فاعله ويعاقب تاركه، وهو بهذا التعريف يتساوى مع الفرض عند جمهور الأصوليين.

أما السادة الحنفية رضي الله تعالى عنهم وعنكم فقد عرّفوا الواجب بأنه:

ما ثبت طلبه من الشارع طلبا جازما بدليل ظنيّ، ومثّلوا له بقراءة الفاتحة في الصلاة فإنها ثبتت بدليل ظني وهو ثبوتها بخبر الآحاد بقوله صلى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلم (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) متفق عليه.

وعرّفوا الفَرْضَ بأنه:

ما ثبت طلبه من الشارع طلبا جازما بدليلٍ قطعيّ، ومثّلوا للفرض بالصلوات الخمس، والأمر بالطهارة والزكاة والصيام والحج.

أمّا بالنسبة للسنة المؤكدة، فالسنة كما يعرّفها أهل العلم رضي الله تعالى عنهم وعنكم:

ما يُثاب فاعلها ولا يُعاقب تاركها.

إلا أنّ هذه السُنّة ليست على درجةٍ واحدةٍ، بل بعضها أقوى من بعض مع اشتراكها في أفضلية الفعل، وعدم المعاقبة على الترك، ولذلك قسّم أهل العلم رضي الله تعالى عنهم وعنكم السنن إلى قسمين: سنن مؤكدة، وسنن غير مؤكدة, قال الامام ابن عابدين رحمه الله تعالى في تعريف السنة: (ما واظب عليه النبيّ صلى الله عليه وسلم، لكن إنْ كانت لا مع الترك، فهي دليل السنة المؤكدة، وإنْ كانت مع الترك أحياناً، فهي دليل غير المؤكدة). انظر رد المحتار 1/221.

فالسنة المؤكدة ما فعله الرسول صلى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلم وواظب على فعله ومن أمثلتها: السنن الرواتب (وهي الصلوات التي تكون مرافقة ومصاحبة للفرض كسنة الصبح القبلية، وسنة الظهر القبلية والبعدية…)، والوتر، وصلاة العيدين، وقراءة السورة بعد الفاتحة في الصلاة، وسجود التلاوة، وقيام الليل، والأضحية، وصلاة الكسوف، وصلاة الاستسقاء، وركعتا الطواف، وإفشاء السلام، وعيادة المريض، ومساعدة المحتاجين من الناس، والتسبيح، والتحميد، والتهليل، والتكبير, هذا هو المشهور عند أهل العلم في معنى السنة المؤكدة, إلا أنّ السادة الحنفية رضي الله تعالى عنهم وعنكم يرون أنّ ترك السنن المؤكدة  فيه اللوم والعتب, وذهب بعض العلماء إلى سقوط عدالة المواظب على تركها، ويطيب لي هنا أنْ أنقل كلاما نفيسا للإمام الشاطبي إذ قال رحمه الله تعالى في الموافقات (1/151): (إذا كان الفعل مندوبا بالجزء كان واجباً بالكل، كالأذان في المساجد والجوامع وغيرها، وصلاة الجماعة، وصلاة العيدين، وصدقة التطوع، والنكاح، والوتر، وسنة الفجر، والعمرة، وسائر النوافل الرواتب، فإنها مندوب إليها بالجزء، ولو فرض تركها جملة لجُرِّح التارك لها، ألا ترى أنّ في الأذان إظهارا لشعائر الإسلام؟ ولذلك يستحق أهل المصر القتال عليه إذا تركوه، وكذلك صلاة الجماعة، منْ داوم على تركها يُجَرَّح ولا تقبل شهادته، لأنّ في تركها مضادة لإظهار شعائر الدين، وقد توعّد الرسول منْ داوم على ترك الجماعة فهمّ أنْ يُحرِّق عليهم بيوتهم، كما كان لا يَغِيرُ على قوم حتى يصبح، فإنْ سمع أذانا أمسك، وإلا أغار، والنكاح لا يخفي ما فيه ممّا هو مقصود للشارع، من تكثير النسل وإبقاء النوع الإنساني وما أشبه ذلك، فالترك له جملة مؤثر في إضعاف الدين إذا كان دائما، أما إذا كان في بعض الأوقات فلا تأثير له، فلا محظور في الترك).

وأقول على المؤمن المحب لنبيّه صلى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلم أنْ يحرص حرصا تاما على اتباع حضرة النبيّ صلى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلم  فهو باب الدخول على الله ومفتاح الهداية وطريق الوصول إلى الحق جل وعلا, كما إنّ في اتباع السنن جبرا للنقص الذي يحدث في الفرض وتوثيقا للصلة بحضرة النبيّ صلى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلم وتأكيدا لمحبته, قال ربنا تبارك وتعالى {وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الحشر/7]، وقال سبحانه {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ} [النور/54]، وقال حضرة خاتم النبيين صلى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلم (أول ما يحاسب الناس به يوم القيامة من أعمالهم الصلاة، قال: يقول ربنا عزّ وجلّ للملائكة وهو أعلم: انظروا في صلاة عبدي أتمّها أم نقصها؟ فإنْ كانت تامّة كتبت له تامة، وإنْ كان انتقص منها شيئا، قال: انظروا هل لعبدي من تطوّع؟ فإنْ كان له تطوّع، قال  أتمّوا لعبدي فريضته من تطوّعه، ثمّ تؤخذ الأعمال على ذلك) الإمام البيهقي رحمه الله تعالى. وقال حضرة النبيّ عليه الصلاة والسلام أيضا فيما يرويه عن ربه عزّ وجلّ (وما يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وإنْ سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه) الامام البخاري رحمه الله تعالى.

وكن لسـنـة خـيـر الخـلـق متـبـعـا             فـإنـــهـا لـنـجاة العـبـد عنــوان
فهو الذي شملـت للـخـلـق أنـعـمـه             وعمهم منه في الدارين احسان
ومذ أتى أبصرت عمى القلوب به             سبـل الهدى ووعت للحق آذان

فإنْ كان  المؤمن جاهلا  بالسنن فلا إثم عليه لقول حضرة النبيّ صلى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلم (إنّ الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) الإمام ابن ماجة رحمه  الله تعالى، لكن حريّ به تعلّمها والبحث عنها.

وختاما أنقل الكلمة الذهبية للإمام سفيان الثوري رحمه الله تعالى إذ قال (إنِ استطعتَ أنْ لا تحكّ رأسك إلا بأثر فافعل).

والله عزّ وجلّ أعلم.