(1564):

2013/07/28

السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته سيّدي الحبيب أسأل الله تعالى أنْ يحفظكم ويرعاكم ويمنّ عليكم في هذا الشهر الكريم وعلى المسلمين بالأمن والأمان والسلامة، وأنْ يتقبّل الله تعالى منّا ومنكم صيامنا وقيامنا ببركة النبيّ الشفيع عليه وعلى آله وأصحابه أفضل الصلاة والتسليم.

سيّدي حضرة الشيخ الكريم أسأل عن صحة هذا الحديث قال عليه الصلاة والسلام (من جلس إلى غنيّ فتضعضع له ذهب ثلثا دينه)

 

الاسم: علي عمران

 

الرد:-

وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته.

جزاك الله عزّ وجلّ خيرا على دعواتك الكريمة، وأسأله سبحانه وهو الكبير المتعال ذو العزة والجلال أنْ يتقبّل منا ومنكم صالح الأعمال برحمته إنّه تبارك وتعالى سميع مجيب.

معنى تضعضع: خضع وذلّ على وجه الإسفاف والانكسار المعبران عن مطلق الافتقار للمخلوقين، ولا يُراد الذلة التي بمعنى التراحم والتواصل والتوقير فهذا ثابت في صور شرعية كثيرة منها:-

توقير أهل المراتب علما وصلاحا وفضلا، قال تعالى في حقّ رسوله ومصطفاه صلى الله تعالى عليه وآله وصحبه ومَنْ والاه:-

{لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [سورة الفتح: 9].

ومنها:- الذلة التي أثبتها الله عزّ وجلّ لصالحي هذه الأمّة التي تجمعهم رابطة الأخوة الإيمانية والتي جاءت في قوله عزّ شأنه:-

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [سورة المائدة: 54].

والخلاصةُ:-

أنّ المنهيّ عنه هو خضوع الإنسان للغنيّ بوصفه غنيا لا لمعنىً آخر، خضوعا يدلّ على منتهى الحقارة والدناءة -حاشاكم- ولهذا جاء النهي عن ذلك في نصوص كثيرة منها:-

عن سيّدنا عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال:-

(قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ أَصْبَحَ مَحْزُونًا عَلَى الدُّنْيَا أَصْبَحَ سَاخِطًا عَلَى رَبِّهِ، وَمَنْ أَصْبَحَ يَشْكُو مُصِيبَتَهُ فَإِنَّمَا يَشْكُو رَبَّهُ، وَمَنْ دَخَلَ عَلَى غَنِيٍّ فَتَضَعْضَعَ لَهُ ذَهَبَ ثُلُثَا دِينِهِ، وَمَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَدَخَلَ النَّارَ فَهُوَ مِمَّنِ اتَّخَذَ آيَاتِ اللهِ هُزُوًا) الإمام البيهقي رحمه الله عزّ وجلّ.

ورواه عنه أيضا بلفظ:-

(وَمَنْ خَضَعَ لَغَنِيٍّ وَوَضَعَ لَهُ نَفْسَهَ إِعْظَامًا لَهُ، وَطَمَعًا فِيمَا قِبَلَهُ، ذَهَبَ ثُلُثَا مُرُوءَتِهِ، وَشَطْرُ دِينِهِ).

وعن سيّدنا أبي ذر رضي الله تعالى عنه مرفوعا:-

(لَعَنَ اللَّهُ فَقِيراً تَوَاضَعَ لِغَنيٍّ مِنْ أَجَلِ مَالِهِ، مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ فّقَدْ ذَهَبَ ثُلْثَا دِيِنِه) الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة (ص: 189).

ورُوي من طريق آخر عن سيّدنا أنس رضي الله تعالى عنه رفعه:-

(مَنْ أَصْبَحَ حَزِينًا عَلَى الدُّنْيَا أَصْبَحَ سَاخِطًا عَلَى رَبِّهِ، وَمَنْ أَصْبَحَ يَشْكُو مُصِيبَةً نَزَلَتْ بِهِ، فَإِنَّمَا يَشْكُو اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَمَنْ تَضَعْضَعَ لِغَنِيٍّ لِيَنَالَ مِمَّا فِي يَدَيْهِ أَسْخَطَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ —) الإمام الطبراني رحمه الله سبحانه.

وعن سيّدنا أبي هريرة رضي الله تعالى عنه مرفوعًا:-

(مَنْ تَضَعْضَعَ لِذِي سُلْطَانٍ إِرَادَةَ دُنْيَاهُ أَعْرَضَ اللهُ عَنْهُ بِوَجْهِهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ) الإمام الديلمي رحمه الله جلّ في علاه.

وعنه أيضا رفعه:-

(مَنْ تَضَرَّعَ لِصَاحِبِ دُنْيَا وَضَعَ بِذَلِكَ نِصْفَ دِيْنِهِ) الإمام الديلمي رحمه الله تعالى.

ورواه الطبراني رحمه الله تعالى في الصغير عن سيّدنا أنس رضي الله تعالى عنه مرفوعا.

الحديث في سنده مقال ولكنّه ورد بطرق عدة، ومعناه صحيح، ولا شكّ أنّ الحديث الضعيف يُعمل به في الترغيب والترهيب وفضائل الأعمال، وله شواهد تُقوّيه وتؤكّد موضوعه، كقوله صلّى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلّم:-

(مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً لِعِزِّهَا لَمْ يُزِدْهُ اللَّهُ إِلَّا ذُلًّا، وَمَنْ تَزَوَّجَهَا لِمَالِهَا لَمْ يُزِدْهُ اللَّهُ إِلَّا فَقْرًا، وَمَنْ تَزَوَّجَهَا لِحُسْنِهَا لَمْ يُزِدْهُ اللَّهُ إِلَّا دَنَاءَةً، وَمَنْ تَزَوَّجَهَا لَمْ يَتَزَوَّجْهَا إِلَّا لِيَغُضَّ بَصَرَهُ وَيُحْصِنَ فَرْجَهُ، أَوْ يَصِلَ رَحِمَهُ، بَارَكَ اللَّهُ لَهُ فِيهَا، وَبَارَكْ لَهَا فِيهِ) الإمام الطبراني رحمه الله عزّ شأنه.

ولقد:-

(مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا تَقُولُونَ فِي هَذَا قَالُوا حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَحَ وَإِنْ شَفَعَ أَنْ يُشَفَّعَ وَإِنْ قَالَ أَنْ يُسْتَمَعَ قَالَ ثُمَّ سَكَتَ فَمَرَّ رَجُلٌ مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ مَا تَقُولُونَ فِي هَذَا قَالُوا حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ لَا يُنْكَحَ وَإِنْ شَفَعَ أَنْ لَا يُشَفَّعَ وَإِنْ قَالَ أَنْ لَا يُسْتَمَعَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الْأَرْضِ مِثْلَ هَذَا) الإمام البخاري رحمه الباري سبحانه.

فالنصوص الشريفة تنهى عن اعتبار الغنى أساسا للمفاضلة بين الناس وعن الطمع والنظر لِمَا في أيدي الأغنياء من عروض الدنيا، ولقد قال الله تعالى لنبيّه الكريم عليه الصلاة والتسليم وعلى آله وصحبه أجمعين:-

{وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [سورة طه عليه الصلاة والسلام: 131].

والله تبارك اسمه أعلم.

وصلّى الله تعالى وبارك وسلّم على سيّدنا محمّد، وعلى آله وصحبه أهل الجود والكرم.