2013/10/04

السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

حضرة الشيخ الدكتور سعد الله المحترم، حفظكم الله ورعاكم، ونفعنا بمحبتكم

السؤال: هل يجوز التفاخر بالنسب والعشيرة وذكر أمجادها ووصفها ورجالها بالشجاعة والشهامة والافتخار بالانتساب إليها؟ وجزاكم الله خيرا.

 

الاسم: د. عزيز ابراهيم عبدالله

 

الرد:

وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته، وجزاكم الله عزّ وجلّ خيراً وحفظكم وجميع المسلمين.

يقولُ ربّنا سبحانَهُ وتعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات/ 13].

الْمُرَادُ مَنْ يَكُونُ أَتْقَى يَكُونُ عِنْدَ اللَّهِ أَكْرَمَ أَيِ التَّقْوَى تُفِيدُ الْإِكْرَامَ.

نَفهمُ مِنْ قول ربنا سبحانه وتعالى أنَّ الفخر نوعان: محمود، ومذموم.

فالمحمودُ، ذكر ما أنت فيه على جهةِ بيان الأمر وذِكْرِهِ للنّاسِ، نَظَرَتْ أمُ المؤمنينَ السيدة ُعَائِشَةُ رضي اللهُ تعالى عنها إِلَى حضرةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تعالى عَلَيْهِ وآله وصحبهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا سَيِّدَ الْعَرَبِ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تعالى عَلَيْهِ وآله وصحبه وَسَلَّمَ (أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلَا فَخْرَ، وَأَبُوكِ سَيِّدُ كُهُولِ الْعَرَبِ، وَعَلِيٌّ سَيِّدُ شَبَابِ الْعَرَبِ) الإمام أحمد رحمه الله تعالى.

وقولُ سيّدُ الخلقِ وحبيبُ الحقِ صلى اللهُ تعالى عليهِ وآلهِ وصحبهِ وسلمَ (هَذَا خَالِي فَلْيُرِنِي امْرُؤٌ خَالَهُ) الإمام الترمذي رحمه الله تعالى.

ونحو ذلك مما يُذْكَرُ فيه الأعمالُ الصالحةُ على جهة بيانِها للخلقِ بقصد الاقتداء، هذا إذا لمْ يكنْ على جهة الاستطالةِ عليهم والترفعِ بفسادِ الباطنِ فإنَّهُ يكونُ محموداً ولا يصيرُ مِنْ الفخرِ المذموم، وهذا ما دلّ عليه قوله بأبي وأمي ونفسي هو عليه الصلاة والسلام وعلى آله وصحبه الكرام (…ولا فخر).

ولا حرج أنْ يتعلّم الرجلُ نسبَهُ، بل يُطلب منه ذلك شرعاً ليَعرِف أرحامَهُ وأقربائَهُ ويَصلَهم، فعَنْهُ صَلَّى اللَّهُ تعالى عَلَيْهِ وَآلِهِ وصحبه وَسَلَّمَ قال (تَعَلَّمُوا مِنْ أَنْسَابِكُمْ مَا تَصِلُونَ بِهِ أَرْحَامَكُمْ فَإِنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ مَحَبَّةٌ فِي الْأَهْلِ مَثْرَاةٌ فِي الْمَالِ مَنْسَأَةٌ فِي الْأَثَر) الإمام الترمذي رحمه اللهُ تعالى.

أمّا الفخرُ المذمومُ:- فهو أنْ يذكرَ ذلك استطالة ًعلى الخلقِ وترفعاً عليهم، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ سيّدنا أبا ذر رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ قَالَ: قَاوَلْتُ رَجُلًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ لَهُ: يَا ابْنَ السَّوْدَاءِ، فَغَضِبَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: (يَا أبا ذر، لَيْسَ لِابْنِ الْبَيْضَاءِ عَلَى ابْنِ السَّوْدَاءِ فَضْلٌ) فَقَالَ أبو ذر رضي اللهُ تعالى عنهُ  فَاضْطَجَعْتُ وَقُلْتُ لِلرَّجُلِ:  قُمْ فَطَأْ عَلَى خَدِّي. فَانْظُرْ كَيْفَ نَبَّهَهُ صَلَّى اللَّهُ تعالى عَلَيْهِ وآله وصحبه وَسَلَّمَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ جَهْلٌ، وَانْظُرْ كَيْفَ تَابَ وَقَلَعَ مِنْ نَفْسِهِ شَجَرَةَ الْكِبْرِ إِذْ عَرَفَ أَنَّ الْعِزَّ لَا يَقْمَعُهُ إِلَّا الذُّلُّ. موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين.

وخَطَبَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تعالى عَلَيْهِ وعلى آله وصحبه وَسَلَّمَ فِي وَسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَقَالَ (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى أَبَلَّغْتُ؟ قَالُوا بَلَّغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) الإمام أحمد رحمه الله تعالى.

ولسيّدنا علي بن أبي طالب رضي اللهُ تعالى عنهُ وكرّم وجهه أبيات يُسطّرُ فيها هذا المعنى إذ قال:

النَّاسُ مِنْ جِهَـةِ التَّمْثِيـلِ أَكْفَــاءُ                           أَبُـوْهُـــــــــمُ آدَمُ والأُمُّ حَـــوَّاء

نَفْـسٌ كَنَفْـسٍ وأرواحٌ مُشاكلَـــةٌ                           وأَعْظُمٌ خُلِقَـتْ فيـها وأعضــاءُ

وإِنَّمـا أُمَّهـاتُ النَّـاسِ أَوْعِيَـــــةٌ                           مُسْتَودعـاتٌ وللأَحْسَـابِ آبــاءُ

فإنْ يَكُنْ لهُمُ مِنْ أَصْلِهـم شَـرَفٌ                          يُفاخِـرونَ بـهِ فالطِّيْـنُ والـمـاءُ

ما الفَضْلُ إلاَّ لأَهْلِ العِلْـمِ إنَّهُـــمُ                          عَلَى الهُدَى لِمَـنِ اسْتَهْدَى أَدِلاَّءُ

والضابط في الفرق بين الفخر المذموم والفخر المحمود، أنَّ الفخرَ المحمودَ أنْ يذكرَ شيئاً تحدّثاً بنعمةِ الله تعالى عليه، ولأجل أنْ يُقتدى به فيذكرَ ذلك ليُشجِّعَ على العمل، أنا فعلت كذا وكذا ليشجع الناس عليه لكنَّ باطنه منطوي على كراهة الفخر والاستطالة على الخلق، فإذا ذكر ذلك لأجل التحدّث بنعمة الله تعالى أو لدلالة الخلق على الفعل فإنِّ هذا لا بأس به.

والله سبحانه وتعالى أعلم.