2013/11/26

السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته/ أدامكم الله تعالى وحفظكم وأكرمني بصحبتكم وخدمتكم آمين/ سيّدي أحيانا أدعو بالدعاء التالي (اللهمّ إمّا أنْ تهدي فلانا وإمّا أنْ تكفي الناس شرّه) فأنكر عليّ بعضهم وقال: أنت بقولك هذا تخيّر الله تعالى وهذا لا يجوز فهل دعائي صحيح أم لا؟ وجزاكم الله تعالى كلّ خير.

 

الاسم: عبد الله

الرد:

وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته، بارك الله عزّ وجلّ فيك على دعائك المخلص وأسأله سبحانه أنْ يكرمنا يوم القيامة بصحبة حبيبه المصطفى صلى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلم.

أمَرَ الخالقُ جلّ جلاله وعمّ نواله عباده بالدعاء ووعدهم بالإجابة فقال سبحانه {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر/60]، ووصف سيّدنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلم الدعاء بأنّه (مخّ العبادة) الإمام الترمذي رحمه الله تعالى.

ومن أسباب استجابة الدعاء أنْ يستجمع الداعي عزيمته ويحزم أمره امتثالا لتوجيه سيّدنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلم في قوله (إذا دعا أحدكم فليعزم في الدعاء ولا يقل اللّهمّ إنْ شئت فاعطني فإنّ الله لا مستكره له) متفق عليه، قال الإمام النووي رحمه الله تعالى في شرحه لهذا الحديث الشريف (عزم المسألة: الشدّة في طلبها والجزم من غير ضعف في الطلب ولا تعليق على مشيئة ونحوها).

وقولك (اللهمّ إمّا أنْ تهدي فلانا وإمّا أنْ تكفي الناس شرّه) لا إشكال فيه ولا يعدّ تخييرا لله عزّ وجلّ لأنه دعاء له بإحدى الحسنيين (الهداية، أو كفّ الأذى) وإذا كفّ أذاه فقد هداه أو وقاه، أي حماه من أنْ يتعدّى شرّه إلى الناس فقلّ بذلك إثمُه.

وينبغي على المؤمن أنْ يتمنى دائما الخير والهداية للناس أجمعين ويدعو لهم بذلك، قال جلّ وعلا حكاية عن مؤمن آل فرعون {قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ} [يس/26، 27].

قال إبراهيم الأطروش رحمه الله تعالى (كنا قعودا ببغداد مع معروف الكرخي على دجلة إذ مرّ أحداثٌ في زورق يضربون بالدُفّ ويشربون ويلعبون، فقالوا لمعروف: أما تراهم يعصون الله مجاهرين؟ ادع الله عليهم، فرفع يديه وقال: إلهي كما فرّحتهم في الدنيا ففرحهم في الآخرة، فقال القوم: إنما سألناك أنْ تدعو عليهم؟ فقال: إذا فرّحهم في الآخرة تاب عليهم) إحياء علوم الدين (4/154).

ولا بأس بالدعاء على مَنْ يتمادى في أذى الناس ولا يرتدع بالرغم من نصح الناصحين وتذكير المذكّرين، قال عليه الصلاة والتسليم وعلى آله وصحبه أجمعين (كان ملك فيمَنْ كان قبلكم وكان له ساحر، فلمّا كبر قال للملك: إني قد كبرت فابعث إليّ غلاما أعلمه السحر، فبعث إليه غلاما يعلّمه، فكان في طريقه إذا سلك راهبٌ، فقعد إليه وسمع كلامه فأعجبه، فكان إذا أتى الساحر مرّ بالراهب وقعد إليه فإذا أتى الساحر ضربه، فشكا ذلك إلى الراهب فقال: إذا خشيت الساحر فقل: حبسني أهلي، وإذا خشيت أهلك فقل: حبسني الساحر، فبينما هو كذلك إذ أتى على دابة عظيمة قد حبست الناس فقال اليوم أعلم آلساحر أفضل أم الراهب أفضل؟ فأخذ حجرا فقال: اللهمّ إنْ كان أمر الراهب أحبّ إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة حتى يمضي الناس، فرماها فقتلها ومضى الناس فأتى الراهب فأخبره فقال له الراهب: أي بني أنت اليوم أفضل مني قد بلغ من أمرك ما أرى وإنك ستبتلى فإن ابتليت فلا تدلّ عليّ، وكان الغلام يبرئ الأكمه والأبرص ويداوي الناس من سائر الأدواء، فسمع جليس للملك كان قد عمي فأتاه بهدايا كثيرة فقال: ما ههنا لك أجمع إنْ أنت شفيتني، فقال: إني لا أشفي أحدا إنّما يشفي الله، فإن أنت آمنت بالله دعوتُ الله فشفاك فآمن بالله فشفاه الله فأتى الملك فجلس إليه كما كان يجلس فقال له الملك: مَنْ ردّ عليك بصرك؟ قال: ربي، قال: ولك ربّ غيري؟ قال: ربي وربك الله، فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دلّ على الغلام، فجيء بالغلام فقال له الملك: أي بني قد بلغ من سحرك ما تبرئ الأكمه والأبرص وتفعل وتفعل، فقال: إني لا أشفي أحدا إنما يشفي الله، فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دلّ على الراهب فجيء بالراهب فقيل له: ارجع عن دينك، فأبى، فدعا بالمئشار فوضع المئشار على مفرق رأسه فشقه حتى وقع شقاه، ثمّ جيء بجليس الملك فقيل له: ارجع عن دينك، فأبى، فوضع المئشار في مفرق رأسه فشقه به حتى وقع شقاه، ثم جيء بالغلام فقيل له: ارجع عن دينك، فأبى، فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال: اذهبوا به إلى جبل كذا وكذا فاصعدوا به الجبل فإذا بلغتم ذروته فإنْ رجع عن دينه وإلا فاطرحوه، فذهبوا به فصعدوا به الجبل فقال: اللهمّ اكفنيهم بما شئت، فرجف بهم الجبل فسقطوا وجاء يمشي إلى الملك، فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟ قال: كفانيهم الله، فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال: اذهبوا به فاحملوه في قرقور – مركب – فتوسطوا به البحر فإنْ رجع عن دينه وإلا فاقذفوه، فذهبوا به فقال: اللهمّ اكفنيهم بما شئت، فانكفأت بهم السفينة فغرقوا وجاء يمشي إلى الملك، فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟ قال: كفانيهم الله، فقال للملك: إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به، قال: وما هو؟ قال: تجمع الناس في صعيد واحد وتصلبني على جذع ثمّ خذ سهما من كنانتي ثمّ ضع السهم في كبد القوس ثمّ قل: باسم الله ربّ الغلام ثمّ ارمني، فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني، فجمع الناس في صعيد واحد وصلبه على جذع ثمّ أخذ سهما من كنانته ثمّ وضع السهم في كبد القوس ثمّ قال: باسم الله ربّ الغلام ثمّ رماه فوقع السهم في صدغه فوضع يده في صدغه في موضع السهم فمات، فقال الناس: آمنا برب الغلام، آمنا برب الغلام، آمنا برب الغلام، فأتى الملك فقيل له: أرأيت ما كنت تحذر؟ قد والله نزل بك حذرك، قد آمن الناس فأمر بالأخدود في أفواه السكك فخدت وأضرم النيران وقال: مَنْ لم يرجع عن دِينه فاحموه فيها، أو قيل له: اقتحم، ففعلوا حتى جاءت امرأة ومعها صبي لها فتقاعست أنْ تقع فيها فقال لها الغلام: يا أمه اصبري فإنك على الحق) الإمام مسلم رحمه الله تعالى، فهذا الحديث الشريف فيه حقائق كثيرة وأحكام متنوعة لا تخفى على الفطن، ومنها جواز التخيير في الدعاء وهو الذي بينته هذه الفقرة (اللهمّ اكفنيهم بما شئت)، وأرجو مراجعة جواب السؤال المرقم (256) في هذا الموقع المبارك.

والله سبحانه وتعالى أعلم.