2013/12/21

السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

جزاكم الله خير الجزاء شيخي الكريم على هذا الموقع المبارك

سؤالي هو: شخص نذر نذرا فتوفي قبل أنْ يفي بنذره, فهل يسقط عنه النذر أم يقضي أهله ما عليه من النذر؟ وجزاكم الله خيرا شيخي.

 

الاسم: عمر علي

الرد:

وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته، وجزاك الباري عزّ وجلّ خيراً ووفقنا جميعا لمرضاته.

مع كراهة إنشاء النذر الذي فصلت حكمه في عدة مواضع من هذا الموقع المبارك فإنّ الوفاء به واجب، في قول الله تبارك وتعالى {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً} [الإنسان/7]، وفي قول سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم (مَنْ نذر أنْ يطيع الله فليطعه، ومَنْ نذر أنْ يعص الله فلا يعصه) الإمام البخاري رحمه الله تعالى.

فإذا توفي الناذر قبل وفائه بالنذر فللفقهاء رضي الله تعالى عنهم وعنكم تفصيل في ذلك، فقد فرّقوا بين النّذر الماليّ كالصّدقة والعتق ونحوهما, وبين غير الماليّ كالصّلاة والصّوم والحجّ ونحوها:

أمّا النّذر المالي: فمنهم مَنْ قال بعدم سقوط النّذر بموت الناذر إذا أوصى بأنْ يوفّى من ماله, ويُخرج من ثلثه كسائر الوصايا, فإنْ لم يوص به سقط في أحكام الدنيا, ولا يجب على الورثة إخراجه من مالهم إلّا أن يتطوّعوا به.

ومنهم مَنْ قال: إنّ النّذر لا يسقط بموته, بل يؤخذ من رأس مال تركته كسائر ديون اللّه جلّ وعلا، أوصى بذلك أم لم يوص به.

وأمّا النّذر غير الماليّ: كالصلاة والصوم والحج وغيرها فلهم في كلّ واحدة منها تفصيل:

فإذا كان النذر صلاة: فذهب جمهور الفقهاء رضي الله سبحانه عنهم وعنكم إلى سقوطه بموته, فلا يصلّي أحد عن الميّت, لأنّ الصّلاة لا بدلَ لها, وهي عبادة بدنيّة لا ينوب أحد عن الميّت في أدائها.

وإذا كان حجاً ومات قبل التّمكن من أدائه لعذر شرعيّ: فمنهم مَنْ قال: إنّه يسقط عنه ولا شيء عليه، ومنهم مَنْ قال: يجب أنْ يخرج عنه من جميع ماله ما يحج به عنه, ولو لم يوص بذلك.

أمّا إذا مات بعد أن تمكّن من أدائه ولم يحجّ:  فمنهم مَنْ قال: إنّه يسقط بالوفاة، ولا يلزم ورثته الحج عنه, فلا يؤخذ من تركته شيء لأجل قضاء ما وجب عليه من حج إلّا إذا أوصى بذلك, فإنّه ينفذ في حدود ثلث تركته.

ومنهم مَنْ قال: إنّه صار بالتّمكن ديناً في ذمّته, ويجب قضاؤه من جميع تركته إنْ ترك مالاً, بأنْ يحجّ وارثه عنه أو يستأجر من يحج عنه, سواء أوصى بذلك أو لم يوص، فإنْ لم يترك مالاً, بقي النّذر في ذمّته, ولا يلزم الورثة بقضائه عنه.

والراجح أنّه لا يسقط لما ثبت عن سيّدنا عبد الله ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله تعالى عنهما (أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: إِنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ فَمَاتَتْ قَبْلَ أَنْ تَحُجَّ، أَفَأَحُجَّ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، حُجِّي عَنْهَا، أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ أَكُنْتِ قَاضِيَتَهُ؟، قَالَتْ: نَعَمْ، فَقَالَ: «اقْضُوا اللَّهَ الَّذِي لَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ أَحَقُّ بِالوَفَاءِ) الإمام البخاري رحمه الله تعالى.

أمّا إذا كان النذر صوما: فمن الفقهاء رضي الله تعالى عنهم وعنكم مَنْ قال: إنّه يسقط بموته، فلا يصوم عنه أحد, لأنّ الصّوم الواجب جار مجرى الصّلاة, فكما أنّه لا يصلّي أحد عن أحد, فلا يصوم أحد عن أحد.

ومنهم مَنْ قال: إنّه لا يسقط بموته, ويصوم عنه وليّه, لقول سيّدنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلم (مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ) الإمام البخاري رحمه الله تعالى، وعن سيّدنا عبد الله بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله تعالى عنهما (أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ كَانَ عَلَى أُمِّهَا صَوْمُ شَهْرٍ فَمَاتَتْ، أَفَأَصُومُهُ عَنْهَا؟ قَالَ: لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ، أَكُنْتِ قَاضِيَتَهُ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: فَدَيْنُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى) الإمام أحمد رحمه الله تعالى، ولأنّ النّذر التزام في الذّمّة بمنزلة الدّين, فيقبل قضاء الوليّ له كما يقضي دينه، وهو الراجح.

غير أنّ الصّوم ليس بواجب على الوليّ في قول الحنابلة والشّافعيّ في القديم, بل هو مستحب له على سبيل الصّلة له والمعروف.

والله جلّ وعلا أعلم.