2014/04/21

السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته…

أيّها الشيخ الفاضل أردت أنْ أسأل كيف أفرّق بين الرؤيا والحلم؟

وبارك الله فيكم ورزقنا رؤى صالحة.

 

الاسم: أمة الله

 

الرد:-

وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته.

بارك الله المنّان جلّ وعلا فيكم، وكحَّل عيوننا وعيونكم برؤيا أجمل المخلوقات، في كلّ الأوقات، سيّدنا مُحمّد عليه أفضل الصلوات وأتمّ التسليمات، وعلى آله وصحبه ذوي المكرمات.

قَالَ سيّدنا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّه تعالى عَلَيْهِ وَآله وصحبه وسَلَّمَ:-

(إِنَّ الرُّؤْيَا ثَلاثٌ، مِنْهَا أَهَاوِيلُ مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ بِهَا ابْنَ آدَمَ، وَمِنْهَا مَا يَهُمُّ بِهِ الرَّجُلُ فِي يَقَظَتِهِ فَيَرَاهُ فِي مَنَامِهِ، وَمِنْهَا جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ) الإمام ابن ماجه رحمه الله عزّ وجلّ.

فما يراه النائم ثلاثة أقسام:-

1- حديث النفس.

2- الحُلم الذي يأتي من الشيطان.

3- الرؤيا التي هي من الرحمن تقدّست ذاته.

والناس في الرؤيا على ثلاث درجات:-

الأولى: الأنبياء صلوات الله تعالى وسلامه عليهم، ورؤياهم كلّها صِدْقٌ وَحَقٌّ.

والثانية: الصالحون، والأغلب على ما يرونه الحقّ، قال الله جلّ في علاه:-

{أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [سورة سيّدنا يونس عليه السلام: 62 – 64].

وقد فسّر حضرة النبيّ عليه الصلاة والسلام وآله وصحبه الكرام هذه البشرى بـ:-

(الرُؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا المُسْلِمُ، أوْ تُرَى لَهُ) الإمام أحمد رحمه الله تبارك اسمه.

والثالثة: باقي النّاس، وقد يقع في رؤياهم الصدق، وفيها الأضغاث.

 

قال الإمام البغوي رحمه الله تعالى في قول سيّدنا رسول الله صلى اللّه جلّ وعلا على ذاته وصفاته وعلى آله وصحابته (الرُؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنَ اللّه، وَالحُلُمُ مِنَ الشَّيْطَانِ):-

(فِيهِ بَيَانٌ أَنْ لَيْسَ كُلُّ مَا يَرَاهُ الإِنْسَانُ فِي مَنَامِهِ يَكُونُ صَحِيحًا، وَيَجُوزُ تَعْبِيرُهُ، إِنَّمَا الصَّحِيحُ مِنْهَا مَا كَانَ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَأْتِيكَ بِهِ مَلَكُ الرُّؤْيَا مِنْ نُسْخَةِ أُمِّ الْكِتَابِ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ أَضْغَاثُ أَحْلامٍ لَا تَأْوِيلَ لَهَا.

وَهِيَ عَلَى أَنْوَاعٍ قَدْ يَكُونُ مِنْ فِعْلِ الشَّيْطَانِ يَلْعَبُ بِالإِنْسَانِ، أَوْ يُرِيهِ مَا يُحْزِنُهُ، وَلَهُ مَكَايِدٌ يُحْزِنُ بِهَا بَنِي آدَمَ، كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْهُ: {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا} [المجادلة: 10]، وَمِنْ لَعِبِ الشَّيْطَانِ بِهِ الاحْتِلامُ الَّذِي يُوجِبُ الْغُسْلَ، فَلا يَكُونُ لَهُ تَأْوِيلٌ، وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ النَّفْسِ، كَمَنْ يَكُونُ فِي أَمْرٍ، أَوْ حِرْفَةٍ يَرَى نَفْسَهُ فِي ذَلِكَ الأَمْرِ، وَالْعَاشِقُ يَرَى مَعْشُوقَهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ مِزَاجِ الطَّبِيعَةِ، كَمَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ الدَّمُ يَرَى الْفَصْدَ، وَالْحِجَامَةَ، وَالرِّعَافِ، وَالْحُمْرَةَ، وَالرَّيَاحِينَ، وَالْمَزَامِيرَ وَالنَّشَاطِ وَنَحْوَهَا، وَمَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ طَبِيعَةُ الصَّفْرَاءِ يَرَى النَّارَ، وَالشَّمْعَ، وَالسِّرَاجَ، وَالأَشْيَاءَ الصُّفْرَ، وَالطَّيَرَانَ فِي الْهَوَاءِ وَنَحْوَهَا، وَمَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ السَّوْدَاءُ، يَرَى الظُّلْمَةَ وَالسَّوَادَ، وَالأَشْيَاءَ السُّودَ، وَصَيْدَ الْوُحُوشِ، وَالأَهْوَالِ، وَالأَمْوَاتِ، وَالْقُبُورَ، وَالْمَوَاضِعَ الْخَرِبَةَ، وَكَوْنُهُ فِي مَضِيقٍ لَا مَنْفَذَ لَهُ، أَوْ تَحْتَ ثِقَلٍ وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَمَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ الْبَلْغَمُ، يَرَى الْبَيَاضَ، وَالْمِيَاهَ، وَالأَنْدَاءَ، وَالثَّلْجَ، وَالْجَمَدَ، وَالْوَحْلَ وَنَحْوَهَا، فَلا تَأْوِيلَ لِشَيْءٍ مِنْهَا) شرح السنة (12/211).

وقد وردت بعض الأحاديث تبيِّن علامات الرؤيا الصادقة منها:-

التشرّف برؤية سيّدنا رسول الله صلّى الله تعالى وسلّم عليه وآله وصحبه ومَنْ والاه، فقد قال حضرته صلوات ربي وسلامه عليه وآله وصحبه:-

(مَنْ رَآنِي فِي المَنَامِ فَسَيَرَانِي فِي اليَقَظَةِ، وَلاَ يَتَمَثَّلُ الشَّيْطَانُ بِي) الإمام البخاري رحمه الحق جلّ جلاله.

وقال:-

(مَنْ رَآنِي فِي المَنَامِ فَقَدْ رَآنِي، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لاَ يَتَخَيَّلُ بِي، وَرُؤْيَا المُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ) الإمام البخاري رحمه الباري سبحانه.

وقال عليه الصلاة والسلام وآله وصحبه الكرام أيضا:-

(مَنْ رَآنِي فَقَدْ رَأى الحَقّ) الإمام البخاري رحمه الله عزّ وجلّ.

ومنها:- قول حضرة النبيّ المعصوم صلّى الله سبحانه عليه وعلى آله وصحبه وسلّم:-

(إِذَا اقْتَرَبَ الزَّمَانُ لَمْ تَكَدْ تَكْذِبُ رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ، وَرُؤْيَا الْمُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ، وَمَا كَانَ مِنَ النُّبُوَّةِ فَإِنَّهُ لَا يَكْذِبُ) متفق عليه.

وقال:-

(أصْدَقُكُم رُؤيَا أصْدَقُكُمْ حَدِيْثاً) الإمام مسلم رحمه الله عزّ شأنه.

وجاء في الحديث الشريف:-

(أصْدَقُ الرُّؤْيَا بِالأسْحَار) الإمام أحمد رحمه الفرد الصمد تقدّست أسماؤه.

لأنّ هذا الوقت تنتشر فيه ملائكة الرحمن، وهو وقت شريف لنزول التجليات الإلهية، قال الإمام البغوي رحمه الله جلّ في علاه:-

(قَالُوا: وَرُؤْيَا اللَّيْلِ أَقْوَى مِنْ رُؤْيَا النَّهَارِ، وَأَصْدَقُ سَاعَاتِ الرُّؤْيَا وَقْتُ السَّحَرِ) شرح السنة (12/210).

وليس معنى هذا أنّ الرؤيا لا تصدق إلّا في هذا الوقت بل المقصود أنّ الرؤيا الصالحة غالبا تكون في مثل هذا الوقت أو قبله.

والذي أراه أنّ على المسلم أنْ يتأدب بالأدب النبويّ قبل النوم بالوضوء، والأذكار والأوراد، ونومه على وصف السُّنّة على جنبه الأيمن، فالغالب على مَنْ كان حاله قبل النوم هكذا أنْ تقع في منامه الرؤيا.

أمّا مَنْ نام على شغل في تفكيره أو على مشكلة مِنْ كلام أو غضب، فالغالب أنّ ما يراه خواطر نفسية أو أضغاث أحلام لا معنى لها، ثمّ علينا أنْ نمتثل لِمَا أمرنا به سيّد الأنبياء عليه الصلاة والسلام وآله وصحبه الأتقياء:-

(إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ رُؤْيَا يُحِبُّهَا، فَإِنَّمَا هِيَ مِنَ اللَّهِ، فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ عَلَيْهَا وَلْيُحَدِّثْ بِهَا، وَإِذَا رَأَى غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَكْرَهُ، فَإِنَّمَا هِيَ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَلْيَسْتَعِذْ مِنْ شَرِّهَا، وَلاَ يَذْكُرْهَا لِأَحَدٍ، فَإِنَّهَا لاَ تَضُرُّهُ) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.

ولا ينبغي طلب التأويل مِنَ العوام إنّما تعرض على أهل الاختصاص وهم أعلم بها، فعن سيّدنا جابر رضي الله تعالى عنه:-

(عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لِأَعْرَابِيٍّ جَاءَهُ فَقَالَ: إِنِّي حَلَمْتُ أَنَّ رَأْسِي قُطِعَ فَأَنَا أَتَّبِعُهُ، فَزَجَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: لَا تُخْبِرْ بِتَلَعُّبِ الشَّيْطَانِ بِكَ فِي الْمَنَامِ) الإمام مسلم رحمه الله عزّ وجلّ.

قال الإمام النووي رحمه الله تعالى:-

(قَالَ الْمَازِرِيُّ يَحْتَمِلُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِمَ أَنَّ مَنَامَهُ هَذَا مِنَ الأَضْغَاثِ بِوَحْي أَوْ بِدَلَالَةٍ مِنَ الْمَنَامِ دَلَّتْهُ عَلَى ذَلِكَ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ مِنَ الْمَكْرُوهِ الَّذِي هُوَ مِنْ تَحْزِينِ الشَّيَاطِينِ) شرح النووي على مسلم (15/27).

ولزيادة الفائدة أرجو مراجعة جواب السؤال المرقم (1801) في هذا الموقع المبارك.

والله جلّت عظمته أعلم.

وصلّى الله تعالى على مَنْ رؤياه حقٌ في اليقظة والمنام سيُّدنا مُحمّد الذي شرّف بوجهه عالم الرؤيا والأحلام وعلى آله وصحبه المُعَّطَّرين بنَفَسِه المبارك على الدوام.