2014/05/26

السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته شيخي الشيخ سعد الله عارف حفظكم الله ورعاكم شيخي سالك على يد شيخ وبعد فترة من السلوك وقع في ذنب وتكرر منه هل يعتبر هذا نقضا للعهد ويجب عليه تجديده وماذا يصنع لتكفير هذا الذنب ليرجع على عهده وسلوكه وهو نادم على ذلك الذنب؟ وجزاكم الله خيرا سيّدي الحبيب

الاسم: سعد

الرد:

وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته، أشكرك على دعواتك الطيّبة وأسأله سبحانه أنْ يوفقك وجميع المسلمين لكلّ خير إنّه جلّ وعلا وليّ التوفيق. قال غافر الذنب وقابل التوب جلّ جلاله وعمّ نواله {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران عليهم السلام/ 135]. وفقني الله تبارك اسمه وإيّاكم لدوام الاستقامة ولزوم شرع سيّدنا مُحمّد صلى الله تقدّس اسمه عليه وآله وصحبه وسلّم المظلل مِنْ حرِّ الهجير بالغمامة.

المؤمن وهو في سيره الإيماني حريص على البقاء في مدارج الإيمان العالية قدر استطاعته، لكنْ قد تحدث انحدارات أو تعوجات في طريقه على أنْ لا تطول، وأنْ يتدارك نفسه بسرعة، وما عليه إلا الرجوع إلى الجادة المستقيمة، والسالك لا يخرج عمّا ذكرته، وإنّما هو عبدٌ قد أنعم الله سبحانه عليه، ويسّر له سببا مِنْ أسباب السير والوصول إليه. فلا يعتبر الذنب نقضا للعهد وإلا لكان كلّ مؤمن ناقضا لعهد الإيمان إذا ارتكب ذنبا، قال معلّم الخير سيّدنا رسول الله صلى الله تعالى وسلم عليه وآله وصحبه ومَنْ والاه (إِنَّ عَبْدًا أَصَابَ ذَنْبًا – وَرُبَّمَا قَالَ أَذْنَبَ ذَنْبًا – فَقَالَ: رَبِّ أَذْنَبْتُ – وَرُبَّمَا قَالَ: أَصَبْتُ – فَاغْفِرْ لِي، فَقَالَ رَبُّهُ: أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي، ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ أَصَابَ ذَنْبًا، أَوْ أَذْنَبَ ذَنْبًا، فَقَالَ: رَبِّ أَذْنَبْتُ – أَوْ أَصَبْتُ – آخَرَ، فَاغْفِرْهُ؟ فَقَالَ: أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي، ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ أَذْنَبَ ذَنْبًا، وَرُبَّمَا قَالَ: أَصَابَ ذَنْبًا، قَالَ: قَالَ: رَبِّ أَصَبْتُ – أَوْ قَالَ أَذْنَبْتُ – آخَرَ، فَاغْفِرْهُ لِي، فَقَالَ: أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي ثَلاَثًا، فَلْيَعْمَلْ مَا شَاءَ) الإمام البخاري رحمه الرب الباري عزّ وجلّ. فانظر كيف وصفه بالعبودية مع ذنبه، ومعنى الحديث أنّ العبد ما دام يذنب ثمّ يستغفر استغفار النادم التائب المقلع من ذنبه العازم أنْ لا يعود فيه فإنّ اللَّه جلّ جلاله يغفر له، ولا يفهم من قوله (فَلْيَعْمَلْ مَا شَاءَ) إباحة المعاصي والإثم، أمّا ماذا يصنع، فالآية المباركة المصدّر بها الجواب قد دلّت على الطريق وأوضحت السبيل، وقد قال نبيّنا المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتمّ التسليم وآله وصحبه أجمعين (إنّ العَبْدّ إذّا اعْتَرَفَ بِذَنْبٍ ثُمَّ تَابَ، تَابَ اللهُ عَلَيْهِ) متفق عليه، ولا يحتاج الأمر إلى تجديد عهد، وإنّما هي قفزة بالقلب إلى ساحة الربّ تعالى بالتذلل والانكسار والندم والافتقار والخوف والاستغفار وحلّ عقدة الإصرار.

ونادِ إذا سجدتَّ له اعترافـاً بما ناداه ذا النونِ بن متّى واجعل الشيطان محسورا مدحورا وافقه معي الحديث الآتي (جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّم فقال: يارسول اللَّهِ إِنِّي أُذْنِبُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّم: إِذَا أَذْنَبْتَ فَاسْتَغْفِرْ رَبَّكَ قَالَ: فَإِنِّي أَسْتَغْفِرُ، ثُمَّ أَعُودُ فَأُذْنِبُ قَالَ: فَإِذَا أَذْنَبْتَ فَعُدْ فَاسْتَغْفِرْ رَبَّكَ قَالَ: فَإِنِّي أَسْتَغْفِرُ، ثُمَّ أَعُودُ فَأُذْنِبُ قَالَ: فَإِذَا أَذْنَبْتَ فَعُدْ فَاسْتَغْفِرْ رَبَّكَ فَقَالَهَا فِي الرَّابِعَةِ فَقَالَ: اسْتَغْفِرْ رَبَّكَ حَتَّى يَكُونَ الشَّيْطَانُ هُوَ الْمَحْسُورُ) الإمام البزّار رحمه العزيز الغفّار سبحانه. فقم الآن وادحر الشيطان وقل بلسان الأواه: يا ربّاه، يا ربّاه، عبدٌ قد تاه، وليس له إلا مولاه، فأنت ملاذه ومأواه، يا غوثاه يا غوثاه. وصلّ اللهمّ على حضرة النبيّ الأواه سيّدنا مُحمّد خير مَنْ ذكر الله تعالى وتذلل بباب مولاه وعلى آله وصحبه الذين أداموا الوقوف بباب الله جلّ في علاه فَسَمَوا بأعلى عزّ وأفضل جاه، ما ذكرت ربَّها الألسنُ وسجدت له الجباه.

والله تعالى الغفور الغفّار أعلم.