2015/07/14

نص السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

رمضان كريم أعاده الله علينا وعليكم بالصحة والعافية.

نذرت كبشا لوجه الله تعالى، هل يجوز دفع مبلغ الكبش لعائلة فقيرة؟

 

الاسم: مروة

 

الرد:-

وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته

أشكرك على تواصلك مع هذا الموقع الكريم، ودعواتك الطيّبة، وأسأل الله جلّ في علاه لك بمثلها وزيادة إنّه سبحانه سميع مجيب.

الجواب باختصار:-

يجب الوفاء بالنذر على الصورة التي نواها الناذر، ولكنّ السادة الأحناف ومَنْ وافقهم رحمهم الله تعالى جوّزوا دفع القيمة (إنْ كانت ذبيحة) لأنّها تحقق المصلحة للفقير واستثنوا من ذلك العتق والهدي والأضحية فلم يجوزوا فيهنّ دفع القيمة.

التفصيل:-

الوفاء بالنذر واجب على الناذر، وقد وردت نصوص شريفة تبيّن أهميّة الوفاء بالنذر منها:-

وقوله سبحانه:-

{ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ العَتِيق} [سورة الحج: 29].

وقوله جلّ في علاه:-

{يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا} [سورة الإِنسان: 7].

وقول حضرة النبيّ صلّى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلّم:-

(مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلَا يَعْصِهِ) الإمام البخاري رحمه الباري جل وعلا.

وقد تعدّدت آراء الفقهاء رضي الله تعالى عنهم وعنكم في تغيير الوفاء بالنذر إلى القيمة المالية، فأجازه السادة الأحناف ومنعه غيرهم رضي الله تعالى عنهم أجمعين.

قال الإمام عبد الله بن محمود بن مودود الموصلي الحنفي رحمه الله سبحانه:-

(قَالَ: وَيَجُوزُ فِيهَا (أَي الزَّكَاة) دَفْعُ الْقِيمَةِ، وَكَذَا فِي الْكَفَّارَاتِ وَالنُّذُورِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ وَالْعُشُورِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103]، وَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَأْخُوذِ صَدَقَةٌ، وَكُلَّ جِنْسٍ يَأْخُذُهُ فَهُوَ صَدَقَةٌ «وَرَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِبِلِ الصَّدَقَةِ نَاقَةً كَوْمَاءَ فَغَضِبَ وَقَالَ: أَلَمْ أَنْهَكُمْ عَنْ أَخْذِ كَرَائِمِ أَمْوَالِ النَّاسِ)؟ فَقَالَ الْمُصَدِّقُ: إِنِّي ارْتَجَعْتُهَا بِبَعِيرَيْنِ فَسَكَتَ» وَأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي الْبَابِ.

وَقَوْلُ مُعَاذٍ لِأَهْلِ الْيَمَنِ حِينَ بَعَثَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ: ائْتُونِي بِخَمِيسٍ أَوْ لَبِيسٍ مَكَانَ الذُّرَةِ وَالشَّعِيرِ، فَإِنَّهُ أَيْسَرُ عَلَيْكُمْ، وَأَنْفَعُ لِمَنْ بِالْمَدِينَةِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ» وَكَانَ يَأْتِي بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يُنْكِرُ عَلَيْهِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «خُذْ مِنَ الْإِبِلِ الْإِبِلَ» الْحَدِيثَ، فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى التَّيْسِيرِ؛ لِأَنَّ أَدَاءَ هَذِهِ الْأَجْنَاسِ عَلَى أَصْحَابِهَا أَسْهَلُ، وَأَيْسَرُ مِنْ غَيْرِهَا مِنَ الْأَجْنَاسِ; وَالْفِقْهُ فِيهِ أَنَّ الْمَقْصُودَ إِيصَالُ الرِّزْقِ الْمَوْعُودِ إِلَى الْفَقِيرِ وَقَدْ حَصَلَ. قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ قُوتَ الْفُقَرَاءِ وَسَمَّاهُ زَكَاةً» وَصَارَ كَالْجِزْيَةِ بِخِلَافِ الْهَدَايَا وَالضَّحَايَا؛ لِأَنَّ إِرَاقَةَ الدَّمِ غَيْرُ مَعْقُولَةِ الْمَعْنَى) الاختيار لتعليل المختار (1/ 102 – 103).

وقال الإمام النووي رحمه الله عزّ وجلّ:-

(إِذَا نَذَرَ ذَبْحَ حَيَوَانٍ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِهَدْيٍ وَلَا أُضْحِيَةٍ، بِأَنْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَذْبَحَ هَذِهِ الْبَقَرَةَ، أَوْ أَنْحَرَ هَذِهِ الْبَدَنَةَ، فَإِنْ قَالَ مَعَ ذَلِكَ: وَأَتَصَدَّقَ بِلَحْمِهَا، أَوْ نَوَاهُ، لَزِمَهُ الذَّبْحُ وَالتَّصَدُّقُ. وَإِنْ لَمْ يَقُلْهُ وَلَا نَوَاهُ، فَوَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ، وَيَلْزَمُهُ الذَّبْحُ وَالتَّصَدُّقُ. وَأَصَحُّهُمَا: لَا يَنْعَقِدُ) روضة الطالبين وعمدة المفتين (3/328).

وجاء في الموسوعة الفقهية:-

(الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ الْوَجْهُ الصَّحِيحُ لَدَى الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّ مَنْ نَذَرَ نَذْرًا مُعَيَّنًا وَغَيْرَ مُطْلَقٍ فَعَلَيْهِ إِخْرَاجُهُ مِمَّا عَيَّنَهُ، وَلاَ يَجُوزُ الْعُدُول عَنِ الْمُعَيَّنِ إِلَى غَيْرِهِ بَدَلاً أَوْ قِيمَةً.

وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ جَوَازَ ذَلِكَ مُطْلَقًا، كَمَا يَجُوزُ عِنْدَهُمُ الْعُدُول عَنِ الْوَاجِبِ إِلَى الْقِيمَةِ فِي النُّذُورِ، وَاسْتَثْنَوْا نَذْرَ الْعِتْقِ وَالْهَدْيِ وَالأْضْحِيَّةِ) الموسوعة الفقهية الكويتية (10/286).

والذي أرجحه هو:-

جواز دفع القيمة المالية بدل الكبش على أنْ لا يقلّ المبلغ المالي عن قيمته، لأنّ ذلك يحقق مصلحة الفقراء بشكل أوسع.

والله تبارك اسمه أعلم.

وصلّى الله تعالى وبارك وسلّم على سيّدنا محمّد، وعلى آله وصحبه أجمعين.