2020-03-28
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته سيدي حضرة الشيخ.. بمناسبة تفشي فايروس (كورونا) عافانا الله سبحانه وإيّاكم والتعليمات الصحية بترك المصافحة تجنباً للعدوى قرأت لأحدهم يقول:
إذا مدّ أحدهم يده ليصافحك فقل له (لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ ۖ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ) فما حكم الاستشهاد بهذه الآية الكريمة ولو للملاطفة؟ وجزاكم الله عزّ وجلّ خيراً.
الاسم: عبد السلام أحمد
الرد:
وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته.
أشكر تواصلكم مع هذا الموقع المبارك، وأسأل المولى جلّ وعلا لي ولكم ولجميع المسلمين العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة.
وبعد:
إنّ ربّنا سبحانه ذكر لنا في القرآن الكريم قصتين:
الأولى: عن عداوة الشيطان لسيّدنا آدم عليه وعلى جميع الأنبياء أفضل الصلاة وأتمّ السلام، وبنيه من بعده، فقال عزّ شأنه:
{وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ * فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ * وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ * فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ} [الأعراف: 19 – 22].
ولذلك يقول مولانا جلّ في علاه منبّهًا بني آدم:
{يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ} [الأعراف: 27].
وأمّا القصة الثانية فهي تحذّرنا من اتباع الهوى وحسد الإنسان لأخيه لأنّ هذا الأمر يوصل إلى الكبائر والعياذ بالله تبارك اسمه، فقال ربّنا العليم الحكيم:
{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ * فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [المائدة: 27 – 30].
وقال نبيّنا الأكرم صلّى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلّم:
(يَبْعَثُ الشَّيْطَانُ سَرَايَاهُ، فَيَفْتِنُونَ النَّاسَ، فَأَعْظَمُهُمْ عِنْدَهُ مَنْزِلَةً، أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً) الإمام مسلم رحمه المنعم سبحانه.
وقال عليه الصلاة والسلام وآله وصحبه الكرام:
(تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا، نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا، نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ، حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ، عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا (الحَجَر الأمْلَس) فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا (مَنْكُوْسًا) لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا، وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا، إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ) الإمام مسلم رحمه المنعم عزّ وجلّ.
هذا وقد وردت نصوص شريفة في الكتاب العزيز والسنّة المطهّرة تحذّرنا من اتباع الهوى والشيطان.
وما أجمل ما أنشده الإمام البوصيري رضي الله تعالى عنه وعنكم وهو يحذّر بني آدم إذ قال:
وَخَالِفِ النَّفْسَ وَالشَّيْطَانَ وَاعْصِهِمَا *** وَإِنْ هُمَا مَحَضَّاكَ النُّصْحَ فَاتِهَّمِ
أمّا عن سؤالك فأقول والله عزّ وجلّ أعلم:
إنّ الذي يستشهد بهذه الآية الكريمة إنْ كان قاصداً التبرّك بها والاستئناس بذكر الله جلّ وعلا من خلال ما فيها من المناسبة للظروف التي نمرّ بها فلا بأس.
وإنْ كان على وجه الاستهزاء والمزاح -عياذا بالله تعالى- فلا يجوز لقوله عزّ شأنه:
{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ} [التوبة: 65 – 66].
أسأل الله الرحيم الرحمن أنْ يحفظ المسلمين في كلّ مكان، ويمنّ عليهم بالأمن والأمان والعفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة.
وصلّى الله تعالى وسلّم وبارك على سيّدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
والله جلّ جلاله أعلم بالصواب والهادي إلى سبيل الرشاد.