2020-05-15

السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته سيّدي الكريم.

جزاكم الله جلّ وعلا كلّ خير على هذا الموقع الطيب النافع الذي تشع أنواره وبركاته العالم بإذن الله تعالى.

عفوا سيّدي: كثر التظلّم بين الأزواج في هذه الأيّام، بسبب تواصل الطرفين مع الجنس الآخر، أطمع بنصيحتكم المباركة.

 

الرد:-

وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته.

أشكرك كثيرا على هذه الكلمات المباركة والدعوات المخلصة، وأسأل الله جلّ في علاه أنْ يحققها ويزيد من فضله وكرمه إنّه سبحانه صاحب الفضل العظيم والعطاء الكريم.

منهج الموقع المبارك ليس الإجابة المجرّدة على السؤال الوارد، بل الإحاطة بكلّ الجوانب المتعلّقة به قدر المستطاع لتحقيق الإفادة التامّة الشاملة؛ فهو موقع تربوي يُعنى بتربية الإنسان روحًا وفكرًا، عقيدةً وفقهًا وسلوكًا، مُستنبطًا من هدايات الكريم العزيز والسنّة المطهّرة.

ينبغي للزوجة المؤمنة أنْ تتقي الله تعالى في نفسها وزوجها وبيتها، فهي أمينة على أسرارها وأسراره، قال الحقّ جلّ وعلا:-

{— فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ —} [سورة النساء: 43].

فعلى المرأة المسلمة عمومًا، والمتزوّجة على وجه مخصوص أنْ لا تتواصل مع رجل أجنبيّ عنها، لأنّ هذا العمل ممنوع في شريعة الإسلام، ومخالف لهداياته التي تدعو المجتمع بشكل عام والمرأة بشكل خاص للعفّة والستر، فلا يجوز لها أنْ تكشف أحوالها الخاصّة لأناس أجانب عنها مهما كانت العلاقة والصداقة بينهما أو بين الأسرتين الكريمنين.

وعليها أنْ تطيع الله جلّ في علاه كما وضّحتُ في جواب السؤال وتصبر ما استطاعت، فإنْ بلغ منها الضرّ مبلغًا، فلا بأس أنْ تتواصل مع أهلها أو أهله أو معهما، لغرض التفاهم مع الزوج وتفكيك المشكلات وحلّها، قال عزّ من قائل:-

{وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} [سورة النساء: 35].

فإنْ تعذّر ذلك فلا مانع من التواصل وفق الآداب الشرعية مع عالم ربّاني لعرض المشكلة طلباً للنصيحة والدعاء؛ ولنا في الصحابيات الجليلات رضي الله تعالى عنهنّ وعنكنّ أسوة حسنة، فقد كُنّ يسألنّ حضرة النبيّ صلّى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلّم في أخصّ أمورهنّ؛ كما في القصّة التالية التي ذكرها الله عزّ وجلّ في قوله:-

{قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [سورة المجادلة: 1].

عَنِ السَّيِّدَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهَا قَالَتْ:-

(تَبَارَكَ الَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ كُلَّ شَيْءٍ، إِنِّي لَأَسْمَعُ كَلَامَ خَوْلَةَ بِنْتِ ثَعْلَبَةَ وَيَخْفَى عَلَيَّ بَعْضُهُ، وَهِيَ تَشْتَكِي زَوْجَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ تَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَكَلَ شَبَابِي، وَنَثَرْتُ لَهُ بَطْنِي، حَتَّى إِذَا كَبِرَتْ سِنِّي، وَانْقَطَعَ وَلَدِي، ظَاهَرَ مِنِّي، اللَّهُمَّ إِنِّي أَشْكُو إِلَيْكَ، فَمَا بَرِحَتْ حَتَّى نَزَلَ جِبْرَائِيلُ بِهَؤُلَاءِ الْآيَاتِ: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ}) الإمام ابن ماجه رحمه الله تعالى.

وقد بوّب الإمام البخاري رحمه الباري سبحانه في صحيحه:-

(بَابُ الحَيَاءِ فِي العِلْمِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: لاَ يَتَعَلَّمُ العِلْمَ مُسْتَحْيٍ وَلاَ مُسْتَكْبِرٌ. وَقَالَتْ عَائِشَةُ: نِعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الأَنْصَارِ لَمْ يَمْنَعْهُنَّ الحَيَاءُ أَنْ يَتَفَقَّهْنَ فِي الدِّينِ).

ثمّ أورد تحت هذا الباب حديث سيّدتنا أمّ سلمة رضي الله تعالى عنها قالت:-

(جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الحَقِّ، فَهَلْ عَلَى المَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إِذَا احْتَلَمَتْ؟ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا رَأَتِ المَاءَ، فَغَطَّتْ أُمُّ سَلَمَةَ، تَعْنِي وَجْهَهَا، وَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَتَحْتَلِمُ المَرْأَةُ؟ قَالَ: نَعَمْ، تَرِبَتْ يَمِينُكِ، فَبِمَ يُشْبِهُهَا وَلَدُهَا) الإمام البخاري رحمه الله جلّ وعلا.

كما ينبغي أنْ أوجّه نصيحة للرجال، وللمتزوجين منهم على نحو خاص، فأقول وبالله تعالى التوفيق:-

لقد صان الإسلام العلاقات بين الأفراد، وحدَّها بسياجٍ يلائم النفسَ البشرية، وسدَّ كلّ الذرائع التي قد توصل إلى الحرام.

فالكلام بين الجنسين، وإنشاء علاقة بينهما، من أعظم الوسائل التي قد تجرُّ إلى الوقوع في الإثم، وإنْ زيَّن الشيطان ذلك في أوّل الأمر، وأظهره على أنّه علاقة بريئة، قال عزّ شأنه:-

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [سورة النور: 21].

وقد نصَّ الفقهاء رضي الله تعالى عنهم وعنكم على المنع من التكلّم مع المرأة الأجنبية دون ضرورة، خصوصاً الشابّة منهنّ؛ خشية الفتنة.

وتدخل في هذا المحادثة والمكاتبة عبر (الإنترنت)، والمشاركة في مواقع الحوار والتواصل المتنوعة؛ لأنّها بوّابات ومقدّمات لإقامة علاقات غير شرعية بين الجنسين.

وجاءت هدايات الشرع الشريف بألّا يخاطب رجل امرأة، أو امرأة رجلاً إلّا لحاجة، وإنْ كانت ثَمَّ حاجة داعية إلى ذلك؛ فلتكن في حدود الأدب والأخلاق؛ قال عزّ من قائل:-

{وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ —} [سورة الأحزاب: 53].

وفي حالة الحاجة للمحادثة فينبغي الالتزام بضوابط الشرع الحنيف، فلا يجوز لهما الخروج عن دائرة آداب الإسلام باستعمال الألفاظ أو التعبيرات المريبة، أو المستكرهة الممقوتة، كما هو شأن كثير من أهل الأهواء والشهوات، وممّا ينبغي التنبيه عليه في هذا الشأن هو محاولة جعل الحوار عبر ساحات عامة، يشارك فيها غيرهما، أو جمع من الناس إنْ أمكن ذلك؛ لدرء الفتنة وتعميم الفائدة إذا كانت ثمّ فائدة مرجوة محققة من المحادثة.

ومع هذا كلّه فترك محادثة الرجل للنساء على أيّ حال هو الأسلم لدينه وعِرضه؛ لأنّ الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وكم جرَّت هذه المحادثات بين الجنسين عبر وسائل الاتصال إلى مفاسد جمّة أدَّت إلى تدمير عِفَّة وعفاف الكثيرات، بل هدّمت بعض العوائل التي كانت مستقرة سعيدة.

ولقد ارتفعت بسببها نسب الطلاق وجرائم القتل والانتحار وغير ذلك من الأمراض الأخلاقية التي نخرت جسم الأمّة وأضعفتها أكثر فأكثر.

فاللهَ اللهَ أيُّها الرجال في دينكم وأعراضكم وأعراض المسلمين، واتقوه سبحانه وارضوا بما قسم لكم، وتجنّبوا الحرام فهو وبال وعار وشنار في الدنيا والبرزخ والآخرة.

ولمزيد من الفائدة أرجو مراجعة أجوبة الأسئلة المرقمة (215، 319، 1760) في هذا الموقع المبارك.

واللهَ عزّ وجلّ أسأل أنْ يوفّق الأزواج والزواجات لما فيه رضا رب الأرض والسموات، وأنْ يتمسكوا بهدايات سيّد السادات عليه أتمّ السلام وأفضل الصلوات وآله وصحبه ذوي الفضائل والمكرمات، وأنْ يُسهموا في الحفاظ على بيوتاتهم وأبنائهم وينعموا بالسكينة والرضا والستر الجميل.

والله جلّ جلاله أعلم.

وصلّى الله تعالى وبارك وسلّم على سيّدنا محمّد، وعلى آله وصحبه أجمعين.