2020-05-27
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته سيّدي حضرة الشيخ سعدالله حفظكم الله ورعاكم وجعل الجنة مثوانا ببركاتكم، وعافانا وشافانا بجاهكم، آمين قربان.
أسأل: في شخص نذر إذا تزوّج من فلانة فإنّ أوّل ليلته يصلّي على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم من صلاة العشاء إلى صلاة الفجر، وإذا لم يتزوجها وتزوجها غيره فإنّه يختم القرآن في يوم، هل يستطيع أنْ يتراجع عن نذره في حال أنّه لا هو تزوجها، ولا هي تزوّجت من غيره؟
الاسم: علي
الرد:
وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته.
وجزاكم الله جلّ وعلا خيرا على دعواتكم الصادقة، وزيارتكم لهذا الموقع المبارك.
قال الله سبحانه:-
{يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا} [سورة الإنسان: 7].
وقد وردت أحاديث شريفة تدلّ على كراهة إنشاء النذر ابتداء لما فيه من وجوب الوفاء وخشية عدم القدرة، منها:-
قول سيّدنا رسول الله صلّى الله تعالى وسلّم عليه وآله وصحبه ومَنْ والاه:-
(لَا يَأْتي ابْنَ آدَمَ النَّذْرُ بِشَيءٍ لَمْ يَكُنْ قُدِّرَ لَهُ، ولَكِنْ يُلْقِيهِ النَّذْرُ إِلَى القَدَرِ قدْ قُدِّرَ لَهُ، فَيَسْتَخْرِجُ اللَّهُ بِهِ مِنَ البَخِيلِ، فيُؤْتي عَلَيْهِ مَا لَمْ يَكُنْ يُؤْتي عَلَيْهِ مِنْ قَبْلُ) الإمام البخاري رحمه الباري جلّ في علاه.
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني عليه الرحمة والرضوان:-
(وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا النَّهْيِ، فَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ على ظَاهره، وَمِنْهُم من تَأَوَّلَه، قَالَ بن الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ: تَكَرَّرَ النَّهْيُ عَنِ النَّذْرِ فِي الْحَدِيثِ وَهُوَ تَأْكِيدٌ لِأَمْرِهِ وَتَحْذِيرٌ عَنِ التَّهَاوُنِ بِهِ بَعْدَ إِيجَابِهِ، وَلَوْ كَانَ مَعْنَاهُ الزَّجْرَ عَنْهُ حَتَّى لَا يَفْعَلَ لَكَانَ فِي ذَلِكَ إِبْطَالُ حُكْمِهِ وَإِسْقَاطُ لُزُومِ الْوَفَاءِ بِهِ إِذْ كَانَ بِالنَّهْيِ يَصِيرُ مَعْصِيَةً فَلَا يَلْزَمُ وَإِنَّمَا وَجْهُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ قَدْ أَعْلَمَهُمْ أَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ لَا يَجُرُّ لَهُمْ فِي الْعَاجِلِ نَفْعًا، وَلَا يَصْرِفُ عَنْهُمْ ضُرًّا، وَلَا يُغَيِّرُ قَضَاءً، فَقَالَ: لَا تَنْذُرُوا عَلَى أَنَّكُمْ تُدْرِكُونَ بِالنَّذْرِ شَيْئًا لَمْ يُقَدِّرْهُ اللَّهُ لَكُمْ، أَوْ تَصْرِفُوا بِهِ عَنْكُمْ مَا قَدَّرَهُ عَلَيْكُمْ، فَإِذَا نَذَرْتُمْ فَاخْرُجُوا بِالْوَفَاءِ فَإِنَّ الَّذِي نَذَرْتُمُوهُ لَازِمٌ لَكُمْ) فتح الباري (11/577).
والنذر الذي أنشأتَهُ مخالف لشرع الله عزّ وجلّ:-
* النذر الأوّل: فمع الفضل العظيم والأجر الكريم المترتب على الصلاة والسلام على حضرة خاتم النبيّين عليه الصلاة والتسليم وآله وصحبه أجمعين، إلا أنّه ليس من المناسب التزامها في ذلك الظرف لأنّه ليس وقتها ولا محلّها، وقد عبّر الفقهاء رحمهم الله جلّ في علاه عن ذلك بمصطلح (عبادة الوقت) أي العبادة المطلوب أداؤها في الوقت، وتكون مقدّمة على غيرها، قال الشيخ ابن القيّم رحمه المنعم سبحانه:-
(فَأَفْضَلُ الْعِبَادَاتِ فِي وَقْتِ الْجِهَادِ: الْجِهَادُ، وَإِنْ آَلَ إِلَى تَرْكِ الْأَوْرَادِ، مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَصِيَامِ النَّهَارِ، بَلْ وَمِنْ تَرْكِ إِتْمَامِ صَلَاةِ الْفَرْضِ، كَمَا فِي حَالَةِ الْأَمْنِ.
وَالْأَفْضَلُ فِي وَقْتِ حُضُورِ الضَّيْفِ مَثَلًا الْقِيَامُ بِحَقِّهِ، وَالِاشْتِغَالُ بِهِ عَنِ الْوِرْدِ الْمُسْتَحَبِّ، وَكَذَلِكَ فِي أَدَاءِ حَقِّ الزَّوْجَةِ وَالْأَهْلِ —
وَالْأَفْضَلُ فِي أَوْقَاتِ الْأَذَانِ تَرْكُ مَا هُوَ فِيهِ مِنْ وِرْدِهِ، وَالِاشْتِغَالُ بِإِجَابَةِ الْمُؤَذِّنِ —
وَالْأَفْضَلُ فِي وَقْتِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ الِاجْتِهَادُ فِي التَّضَرُّعِ وَالْدُعَاءِ وَالْذِكْرِ دُونَ الصَّوْمِ الْمُضْعِفِ عَنْ ذَلِكَ.
وَالْأَفْضَلُ فِي أَيَّامِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ الْإِكْثَارُ مِنَ التَّعَبُّدِ، لَاسِيَّمَا التَّكْبِيرُ وَالْتَهْلِيلُ وَالْتَحْمِيدُ، فَهُوَ أَفْضَلُ مِنَ الْجِهَادِ غَيْرِ الْمُتَعَيَّنِ —
وَالْأَفْضَلُ فِي وَقْتِ مَرَضِ أَخِيكَ الْمُسْلِمِ أَوْ مَوْتِهِ، عِيَادَتُهُ، وَحُضُورُ جِنَازَتِهِ وَتَشْيِيعُهُ، وَتَقْدِيمُ ذَلِكَ عَلَى خَلْوَتِكَ وَجَمْعِيَّتِكَ —) مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (1/109).
وقد بيّن النبيّ صلّى الله تعالى على ذاته وصفاته وآله وصحابته ما ينبغي على العريس فعله عندما يدخل على زوجته، منه:-
1- الدعاء: قال صلّى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلّم:-
(إِذَا تَزَوَّجَ أَحَدُكُمُ امْرَأَةً أَوِ اشْتَرَى خَادِمًا، فَلْيَقُلِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَمِنْ شَرِّ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ) الإمام أبو داود رحمه الودود جلّ ذكره.
وفي رواية أخرى قال:-
{ثُمَّ لِيَأْخُذْ بِنَاصِيَتِهَا، وَلْيَدْعُ بِالْبَرَكَةِ فِي الْمَرْأَةِ وَالْخَادِمِ} الإمام أبو داود رحمه الله تعالى.
2- الصلاة ركعتين سنّة النكاح، فَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ، مَوْلَى أَبِي أُسَيْدَ رَحِمَهُمَا اللهُ سُبْحَانَهُ قَالَ:-
(تَزَوَّجْتُ وَأَنَا مَمْلُوكٌ، فَدَعَوْتُ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمْ ابْنُ مَسْعُودٍ وَأَبُو ذَرٍّ وَحُذَيْفَةُ، قَالَ: وَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، قَالَ: فَذَهَبَ أَبُو ذَرٍّ لِيَتَقَدَّمَ، فَقَالُوا: إِلَيْكَ، قَالَ: أَوَ كَذَلِكَ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: فَتَقَدَّمْتُ إِلَيْهِمْ وَأَنَا عَبْدٌ مَمْلُوكٌ وَعَلَّمُونِي فَقَالُوا: إِذَا أُدْخِلَ عَلَيْكَ أَهْلُكَ فَصَلِّ عَلَيْكَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلِ اللَّهَ تَعَالَى مِنْ خَيْرِ مَا دَخَلَ عَلَيْكَ، وَتَعَوَّذْ بِهِ مِنْ شَرِّهِ، ثُمَّ شَأْنَكَ وَشَأْنَ أَهْلِكَ) الإمام ابن أبي شيبة رحمه الله عزّ شأنه.
وَعَنْ شَقِيقٍ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى قَالَ:-
(جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُوْد رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يُقَالَ لَهُ أَبُو جَرِيرٍ فَقَالَ: إِنِّي تَزَوَّجْتُ جَارِيَةً شَابَّةً، وَإِنِّي أَخَافُ أَنْ تَفْرَكَنِي (تُبْغِضُنِي) قَالَ: فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: إِنَّ الْإِلْفَ مِنَ اللَّهِ، وَالْفَرْكَ مِنَ الشَّيْطَانِ، يُرِيدُ أَنْ يُكَرِّهَ إِلَيْكُمْ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ، فَإِذَا أَتَتْكَ فَمُرْهَا أَنْ تُصَلِّيَ وَرَاءَكَ رَكْعَتَيْنِ) الإمام ابن أبي شيبة رحمه الله جلّ في علاه.
* النذر الثاني: ختم القرآن الكريم في يوم مجانب للصواب الذي أرشد إليه حضرة النبيّ عليه الصلاة والسلام وآله وصحبه الكرام إذ قال:-
(لَمْ يَفْقَهْ مَنْ قَرَأَ القُرْآنَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ) الإمام الترمذي رحمه الله عزّ شأنه.
فإذا كان الذي يختم القرآن الكريم في ثلاثة أيّام لا يفقه منه شيئا، فكيف بالذي يقرأه في يوم؟! ومن المعلوم أنّ الغرض الأساس من قراءة القرآن الكريم هو التأمّل والتدبّر والتفكّر للاستفادة من نوره وهداياته، قال الحقّ جلّ جلاله:-
{وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [سورة الزمر: 27، 28].
وقال:-
{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [سورة سيّدنا محمد عليه الصلاة والسلام: 24].
وقال:-
{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [سورة القمر: 17].
والنذر الذي تسأل عنه من قسم المعلّق على شيء.
ومادام الزواج لم يحصل لا يلزمك شيء، وهذا من فضل الله جلّ وعلا عليك.
وإنْ حصل فالذي أفتي به من أقوال أهل العلم رضي الله تعالى عنهم وعنكم وأرجحه:-
عدم وجوب الوفاء به (بقسميه) لأنّه مخالف لشرع الله سبحانه كما بيّنتُ أعلاه.
والنذور بشكل عام لا يجب الوفاء بها في حالة العجز التامّ.
وأرجو مراجعة أجوبة الأسئلة المرقمة (1119، 1245، 1400، 1479، 1556، 2356) في هذا الموقع الكريم.
وصلّى الله تعالى وسلّم على سيّدنا محمد خير الوجود، ومن وفّى بالمواثيق والعهود، وآله وصحبه أهل الكرم والجود.
والله تبارك اسمه أعلم وأحكم.