2020-06-13
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته حفظكم الله تعالى سيّدي وبارك الله فيكم ونفع بكم العالم الإسلامي؟
سيّدي سؤالي هل يجوز ضرب الدفوف لرجال في الأعراس والأعياد أم هو خاص للنساء فقط؟ أفيدوني جزاكم الله كلّ خير.
 
الاسم: عباس
 
 
الرد:-
وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته.
أشكر تواصلك مع هذا الموقع المبارك، ودعواتك الطيبة، وأدعو الله جلّ في علاه لك بمثلها وزيادة يحبّها لعباده الصالحين إنّه سبحانه قريب مجيب. وبعد:-
وردت أحاديث شريفة تدلّ على إباحة الضرب بالدُّفِّ في العيد والعرس وقدوم الغائب، ومن هذا:-
(لَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ الْمَدِينَةَ جَعَلَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ يقلن: –
طَلَعَ الْبَدْرُ عَلَيْنَا مِنْ ثَنِيَّاتِ الْوَدَاعْ *** وَجَبَ الشُّكْرُ عَلَيْنَا مَا دَعَا لِلَّهِ دَاعْ) دلائل النبوّة للإمام البيهقي رحمه الله جلّ جلاله (2/506).
(وَلَمَّا بَرَكَتِ النَّاقَةُ عَلَى بَابِ أَبِي أَيُوْبَ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ خَرَجَ جَوَارٍ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ يَضْرِبْنَ بِالدُّفُوْفِ يَقُلْنَ:-
نَحْنُ جَوَارٍ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ *** يَا حَبَّذَا مُحَمَّدٌ مِنْ جَار.
فَقَالَ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتُحْبِبْنَنِي؟ قُلْنَ: نَعَم يَا رَسُوْلَ اللهِ، فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: اللهُ أَعْلَمُ أَنَّ قَلْبِي يُحِبُّكُمْ) نهاية الإيجاز في سيرة ساكن الحجاز (1/193).
وَعَنْ أمِّنَا السَّيِّدَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهَا:-
(أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا جَارِيَتَانِ فِي أَيَّامِ مِنَى تُدَفِّفَانِ، وَتَضْرِبَانِ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَغَشٍّ بِثَوْبِهِ، فَانْتَهَرَهُمَا أَبُو بَكْرٍ، فَكَشَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ وَجْهِهِ، فَقَالَ: دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ، فَإِنَّهَا أَيَّامُ عِيدٍ، وَتِلْكَ الأَيَّامُ أَيَّامُ مِنًى) الإمام البخاري رحمه الباري سبحانه.
وعَنْها أيضا رضي الله تعالى عنها:-
(أَنَّهَا زَفَّتِ امْرَأَةً إِلَى رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا عَائِشَةُ، مَا كَانَ مَعَكُمْ لَهْوٌ؟ فَإِنَّ الأَنْصَارَ يُعْجِبُهُمُ اللَّهْوُ) الإمام البخاري رحمه الباري جلّ وعلا.
وفي رواية أخرى:-
(أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا فَعَلَتْ فُلَانَةُ؟ لِيَتِيمَةٍ كَانَتْ عِنْدَهَا، فَقُلْتُ: أَهْدَيْنَاهَا إِلَى زَوْجِهَا قَالَ: فَهَلْ بَعَثْتُمْ مَعَهَا بِجَارِيَةٍ تَضْرِبُ بِالدُّفِّ، وَتُغَنِّي؟ قَالَتْ: تَقُولُ مَاذَا؟ قَالَ: تَقُولُ:
أَتَيْنَاكُمْ، أَتَيْنَاكُمْ *** فَحَيُّونَا، نُحَيِّيكُمْ
لَوْلَا الذَّهَبُ الْأَحْمَرُ *** مَا حَلَّتْ بِوَادِيكُمْ
وَلَوْلَا الْحَبَّةُ السَّمْرَاءُ *** مَا سَمِنَتْ عَذَارِيكُمْ) الإمام الطبراني رحمه الله تعالى.
وعن الرُّبَيِّعُ بِنْتُ مُعَوِّذِ ابْنِ عَفْرَاءَ رضي الله تعالى عنها قالت:-
(جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ حِينَ بُنِيَ عَلَيَّ، فَجَلَسَ عَلَى فِرَاشِي كَمَجْلِسِكَ مِنِّي، فَجَعَلَتْ جُوَيْرِيَاتٌ لَنَا، يَضْرِبْنَ بِالدُّفِّ وَيَنْدُبْنَ مَنْ قُتِلَ مِنْ آبَائِي يَوْمَ بَدْرٍ، إِذْ قَالَتْ إِحْدَاهُنَّ: وَفِينَا نَبِيٌّ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ، فَقَالَ: دَعِي هَذِهِ، وَقُولِي بِالَّذِي كُنْتِ تَقُولِينَ) الإمام البخاري رحمه الله عزّ وجلّ.
وعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ رضي الله عنهم:-
(أَنَّ امْرَأَةً، أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَضْرِبَ عَلَى رَأْسِكَ بِالدُّفِّ، قَالَ: أَوْفِي بِنَذْرِكِ، قَالَتْ: إِنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَذْبَحَ بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا، مَكَانٌ كَانَ يَذْبَحُ فِيهِ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ، قَالَ لِصَنَمٍ: قَالَتْ: لَا، قَالَ: لِوَثَنٍ، قَالَتْ: لَا، قَالَ: أَوْفِي بِنَذْرِكِ) الإمام أبو دواد رحمه المعبود جلّ شأنه.
فهذه الأحاديث الشريفة تدلّ على جواز الضَّرْب بالدُّفِّ في هذه المواطن، وليس الإذن للنساء دون الرجال، لذا فلا فرق بين الرجال والنساء في هذا، وتخصيصه بالنساء يحتاج إلى دليل.
بل جاء عن حضرة النبيّ الأكرم صلّى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلّم ما يستدل به أنَّ الأمر لا يختص بالنساء فقط، إذ قال:-
(أَعْلِنُوا هَذَا النِّكَاحَ، وَاجْعَلُوهُ فِي الْمَسَاجِدِ، وَاضْرِبُوا عَلَيْهِ بِالدُّفُوفِ) الإمام الترمذي رحمه الله سبحانه.
وقد قال الإمام الصنعاني رحمه الباري سبحانه:-
(دَلَّتْ الْأَحَادِيثُ عَلَى الْأَمْرِ بِإِعْلَانِ النِّكَاحِ، وَالْإِعْلَانُ خِلَافُ الْإِسْرَارِ، وَعَلَى الْأَمْرِ بِضَرْبِ الْغِرْبَالِ وَفَسَّرَهُ بِالدُّفِّ، وَالْأَحَادِيثُ فِيهِ وَاسِعَةٌ، وَإِنْ كَانَ فِي كُلٍّ مِنْهَا مَقَالٌ إلَّا أَنَّهَا يُعَضِّدُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَيَدُلُّ عَلَى شَرْعِيَّةِ ضَرْبِ الدُّفِّ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْإِعْلَانِ مِنْ عَدَمِهِ —) سبل السلام (2/171).
وقال الإمام ابن حجر الهيتمي رحمه الله تعالى:-
(وَيُبَاحُ الضَّرْبُ بِالدُّفِّ وَإنْ كَانَ فِيْهِ جَلَاجِل لِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ وَلَوْ بِلَا سَبَبٍ —) كتاب فتح الجواد بشرح الإرشاد (3/ باب النكاح).
وخلاصة الأمر ما ذكره الخطيب الشربيني رحمه الله جلّ جلاله:-
((وَيَجُوزُ دُفٌّ) بِضَمِّ الدَّالِ أَشْهَرُ مِنْ فَتْحِهَا، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِتَدْفِيفِ الْأَصَابِعِ عَلَيْهِ (لِعُرْسٍ) لِمَا فِي التِّرْمِذِيِّ وَسُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ عَنْ عَائِشَةَ – رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا – أَنَّ النَّبِيَّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ «أَعْلِنُوا هَذَا النِّكَاحَ، وَاجْعَلُوهُ فِي الْمَسَاجِدِ، وَاضْرِبُوا عَلَيْهِ بِالدُّفِّ» (وَ) يَجُوزُ (خِتَانٌ) لِمَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عُمَرَ – رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ – أَنَّهُ كَانَ إذَا سَمِعَ صَوْتَ دُفٍّ بَعَثَ، فَإِنْ كَانَ فِي النِّكَاحِ أَوْ الْخِتَانِ سَكَتَ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهِمَا عَمِلَ بِالدِّرَّةِ. (وَكَذَا غَيْرُهُمَا) أَيْ الْعُرْسِ وَالْخِتَانِ مِمَّا هُوَ سَبَبٌ لِإِظْهَارِ السُّرُورِ كَوِلَادَةٍ، وَعِيدٍ، وَقُدُومِ غَائِبٍ، وَشِفَاءِ مَرِيضٍ (فِي الْأَصَحِّ) لِمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ أَنَّ النَّبِيَّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – لَمَّا رَجَعَ الْمَدِينَةَ مِنْ بَعْضِ مَغَازِيهِ جَاءَتْهُ جَارِيَةٌ سَوْدَاءُ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي نَذَرْت إنْ رَدَّك اللَّهُ سَالِمًا أَنْ أَضْرِبَ بَيْنَ يَدَيْك بِالدُّفِّ، فَقَالَ لَهَا: إنْ كُنْت نَذَرْت فَأَوْفِ بِنَذْرِك. وَلِأَنَّهُ قَدْ يُرَادُ بِهِ إظْهَارُ السُّرُورِ. قَالَ الْبَغَوِيّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ يُسْتَحَبُّ فِي الْعُرْسِ وَالْوَلِيمَةِ وَوَقْتِ الْعَقْدِ وَالزِّفَافِ. وَالثَّانِي: الْمَنْعُ لِأَثَرِ عُمَرَ – رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ – الْمَارِّ. وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ ضَرْبَ الدُّفِّ فِي أَمْرٍ مُهِمٍّ مِنْ قُدُومِ عَالِمٍ أَوْ سُلْطَانٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ (وَإِنْ كَانَ) (فِيهِ) أَيْ الدُّفِّ (جَلَاجِلُ) لِإِطْلَاقِ الْخَبَرِ، وَمَنْ ادَّعَى أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ بِجَلَاجِلَ فَعَلَيْهِ الْإِثْبَاتُ.
تَنْبِيهٌ لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ الْمُرَادَ بِالْجَلَاجِلِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ: الْمُرَادُ بِهِ الصُّنُوجُ: جَمْعُ صَنْجٍ، وَهِيَ الْحِلَقُ الَّتِي تُجْعَلُ دَاخِلَ الدُّفِّ، وَالدَّوَائِرُ الْعِرَاضُ الَّتِي تُؤْخَذُ مِنْ صُفْرٍ وَتُوضَعُ فِي خُرُوقِ دَائِرَةِ الدُّفِّ، وَلَا فَرْقَ فِي الْجَوَازِ بَيْنَ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ كَمَا يَقْتَضِيه إطْلَاقُ الْجُمْهُورِ خِلَافًا لِلْحَلِيمِيِّ فِي تَخْصِيصِهِ لَهُ بِالنِّسَاءِ) مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج (6/349).
وصلّى الله تعالى وسلّم على خاتم أنبياءه ورسله سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين.
والله تبارك اسمه أعلم.