2020-07-10
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أسأل الله لكم الصحة والعافية والعمل الصالح سؤالي هو خاص بالميراث: توفيت خالة زوجي وهي غير متزوجة وليس لها أولاد. والداها أيضا متوفان، ولا يوجد أقارب لها غير أولاد وبنات أخواتها وهما اثنتان متوفيتان قبلها. الأخت الأولى عندها ولدان، والأخت الثانية عندها ولدان وبنتان.
السؤال الأول:-
هل توزع التركة على اثنين (على أخواتها المتوفيتين) ثمّ كلّ جزء يوزع على أبناء الأخوات كلٌّ حسب أولادها، أم توزع على الأولاد والبنات مباشرة؟
السؤال الثاني:-
هل في هذه الحالة بنات الأخت لهنّ حصة من الميراث أم فقط الأولاد؟
 شكرا لكم مقدما وبارك الله بكم
 
الاسم: سائلة
 
 
الرد:-
وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته.
شكرا جزيلا على تواصلكم الطيّب مع هذا الموقع المبارك، وأسأله سبحانه لكم التوفيق والسداد، وبعد:-
فإنّ هذا الموقع الكريم تربوي وتوجيهي، يرنو إلى نشر فضائل الأعمال والأقوال والأحوال؛ لذا أرجو من جنابك الكريم أنْ تترحّمي على الموتى حين ذكرهم، فالقرآن الكريم دعانا لذلك فقال:-
{وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر: 10].
أمّا ما يخصّ سؤالك الأوّل، فَلِكَي تكون هناك مسألة في الميراث لابدّ من توفر أركان معينة، وهذه الأركان هي:-
أولاً:- موت الْمُوَرِّث (صاحب المال).
ثانياً:- حياة الوارث (الشخص الحيّ الذي ينتقل إليه الميراث).
ثالثاً:- وجود المال الموروث.
رابعاً:- عدم وجود موانع الإرث.
وما يهمّنا هنا الركن الثاني وهو حياة الوراث، وهو الشخص الحيّ الذي ينتقل إليه المال الموروث، وفي قواعد الإرث في التشريع الإسلامي أنّ الأخت ترث أختها، ولكن هنا انهدم الركن الثاني بوفاة الأختين فلا ترثان في هذه المسألة من أختهما؛ لعدم تحقّق الركن الثاني من أركان المسألة الإرثية وهو حياة الوارث.
 
أمّا بالنسبة للسؤال الثاني فهو يخصّ ميراث ذوي الأرحام وهم في هذا السؤال أولاد الأخت، فأقول وبالله جلّ جلاله التوفيق:-
إذا لم يكن للمرأة المتوفاة غير هؤلاء الورثة فلا يرثها أحد منهم، لقول سيّدنا النبيّ صلّى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلّم:-
(أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا بَقِي فَهْوَ لأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ) الإمام البخاري رحمه الباري سبحانه.
أمّا أولاد الأخوات، ذكوراً كانوا أم إناثاً، فكلّ هؤلاء لا يرثون، لأنّهم ليسوا من أصحاب الفروض ولا العصبات.
قال الإمام الشافعي رحمه الله عزّ وجلّ:-
(لا ترث العمّة، والخالة، وبنت الأخ … وولد البنت وولد الأخت) الأم (8/238).
وقال الإمام ابن قدامة رحمه الله جلّ وعلا:-
(العصبة هم الذكور من ولد الميت وآبائه وأولادهم، ليس ميراثهم مقدرا، بل يأخذون المال كلّه إذا لم يكن معهم ذو فرض، فإنْ كان معهم ذو فرض لا يسقط بهم أخذوا الفاضل عن ميراثه كله، وأولاهم بالميراث أقربهم، ويسقط به من بعد لقول النبي صلى الله عليه وسلم:-
(ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فهو لأولى رجل ذكر)، وأقربهم البنون، ثمّ بنوهم وإنْ سفلوا، يسقط قريبهم بعيدهم، ثمّ الأب، ثمّ آباؤه وإنْ علوا، الأقرب منهم فالأقرب، ثمّ بنو الأب وهم الإخوة للأبوين أو للأب، ثمّ بنوهم وإنْ سفلوا، الأقرب منهم فالأقرب) المغني (6/171).
وأولاد الأخت من ذوي الأرحام كما أسلفت؛ ولقد تعددت آراء العلماء رحمهم الله جلّت قدرته في مَنْ مات وليس له وارث من ذوي الفروض أو العصبات، فقال بعضهم رحمهم الله تقدست أسماؤه:-
يذهب المال إلى ذوي الأرحام، وهو مذهب السادة الحنفية كما في حاشية الإمام ابن عابدين (5/504)، وشرح الكنز للإمام الزيلعي (6/242)، وكذا مذهب السادة الحنابلة كما في المغني للإمام ابن قدامة (7/83)، والإنصاف للإمام المرداوي (7/323)، رضي الله تعالى عنهم وعنكم.
وقال آخرون رحمهم الله سبحانه:-
بل يذهب إلى بيت المال، وليس لذوي الأرحام شيء، وهو مذهب السادة المالكية كما في الشرح الكبير مع حاشية الإمام الدسوقي (4/16)، ومذهب السادة الشافعية كما في نهاية المحتاج (6/11)، والمهذب (2/32)، رضي الله تعالى عنهم وعنكم.
إلّا أنّ متأخري السادة المالكية والشافعية رحمهم الله جلّ ذكره قالوا:-
إذا لم ينتظم بيت المال فإنّ التركة تعطى لذوي الأرحام كما في المصادر المشار إليها في المذهبين آنفًا.
والراجح في ذلك:-
أنّ ذوي الأرحام مقدّمون على بيت المال، لقوله عزّ شأنه:-
{وَأُولُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ —} [الأنفال: 75].
وقوله سبحانه:-
{لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ —} [النساء: 7].
ولقول حضرة النبيّ الأكرم صلّى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلّم:-
(الخَالُ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ) الإمام أحمد رحمه الله جلّ في علاه.
وعليه توزّع التركة في هذه المسألة على مذهب أهل التنزيل، والتنزيل هو:-
جعل ذي الرحم في التوريث بمنزلة الوارث الذي أدلى به، والمقصود به الواسطة بينه وبين الميت، فمثلا: إذا مات شخص وليس له وارث سِوى بنت بنته، فهي ذات رحم، والواسطة بين هذا الميت وبين بنت بنته هي: (بنت الميت)، التي هي: (أم ذات الرحم)، فبنت البنت تدلي بالبنت، وتنزل منزلتها في التوريث، وهكذا ينزل كلّ ذي رحم منزلة مَنْ أدلى به، ويقوم مقامه في التوريث عند استيفاء الشروط.
قال الإمام البهوتي رحمه الله سبحانه في تعريف مذهب أهل التنزيل:-
(وهو أنْ تجعل كلّ شخص من ذوي الأرحام بمنزلة مَنْ أدلى به من الورثة، ثمّ تجعل نصيب كلّ وارث بفرض أو تعصيب لمَنْ أدلى به) كشاف القناع عن متن الإقناع (4/455 – 456).
وعلى وفق ما تقدّم فيكون أولاد الأختين ذكوراً وإناثاً بمنزلة أمهاتهم، وهنّ أختا المرأة المتوفاة، فينزلوا بذلك منزلة الأخت، فيكون الورثة بذلك ست أخوات، وتوزع التركة عليهم بالتساوي.
ثم إنّي أنبّه الأخت السائلة إلى أنّ أمر التركات أمر خطير جداً وشائك للغاية، وبالتالي، فلا يمكن الاكتفاء فيه، ولا الاعتماد على مجرّد فتوى أعدّها صاحبها طبقا لسؤال ورد عليه، بل لابدّ من أنْ ترفع للمحاكم الشرعية كي تنظر فيها وتحقق، فقد يكون هناك وارث لا يطلع عليه إلا بعد البحث، وقد تكون هناك وصايا أو ديون أو حقوق أخرى لا علم للورثة بها، ومن المعروف أنّها مقدّمة على حقّ الورثة في المال، فلا ينبغي إذاً قسم التركة دون مراجعة للمحاكم الشرعية إذا كانت موجودة، تحقيقا لمصالح الأحياء والأموات.
ولمزيد فائدة أرجو مراجعة أجوبة الأسئلة المرقمة (2190، 2205، 2248) في هذا الموقع الأغرّ.
وصلّى الله تعالى وسلّم وبارك على المبعوث رحمة للعالمين، سيّدنا محمّد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
والله تبارك اسمه أحكم وأعلم.