2020-08-16

السؤال:

السلام عليكم سيّدي ورحمة الله تعالى وبركاته.

قبل حوالي 25 سنة اشتريت هدية قطعة من الذهب وكان المبلغ لا يكفي فقال لي صاحب المحل: أعطني ما معك وادفع لي المبلغ غدًا، وفعلا استلمت القطعة ودفعت له ما معي وأعطيته الباقي في اليوم التالي وهو يشكّل ربع القيمة تقريبًا.

فهل هذا ينافي شرط التقابض؟ وجزاكم الله عزّ وجلّ خيرًا.

 

الاسم: سائل

 

الرد:-

وَعَلَيْكُمُ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللهِ تَعَالَى وَبَرَكَاتُهُ.

أسأله جلّ في علاه أنْ يجزيك خير الجزاء، ويرزقك رضاه، ويجمّلك بتقواه، إنّه سبحانه لا يردّ مَنْ دَعَاه، ولا يخيّب مَنْ رَجَاه.

لا بُدّ للمسلم من أنْ ينتبه في بيعه وشرائه وتعاقداته، ومن أهمها مراقبة الله عزّ وجلّ، وتطبيق مراده، والتزام شرعه، فينقلب مأجورًا ومثابًا، ببركة هذا الالتزام، والغفلة ربّما تؤدي للحرام والآثام، قال جلّ وعلا:-

{رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} [سورة النور: 37].

قال سيّدنا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تعالى وسلّم عَلَيْهِ وآله وصحبه ومَنْ والاه:-

(لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ وَلَا تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ وَلَا تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِبًا بِنَاجِزٍ) الإمام البخاري رحمه الباري سبحانه.

وبيّن عليه الصلاة والتسليم وآله وصحبه الميامين فقَالَ:-

(الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلاً بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ) الامام مسلم رحمه المنعم جلّ وعلا.

 

لذلك فإنّ جمهور العلماء رضي الله تعالى عنهم وعنكم ذهبوا إلى عدم الجواز في بيع أيٍّ من هذه الأصناف نسيئة أو أقساطًا، وإنّما البيع بتسليم الثمن مقابل أي صنف منها.

وهناك رأي لبعض السادة الفقهاء رضي الله تعالى عنهم وعنكم ومنهم الشيخ ابن تيمية والشيخ ابن القيم رحمهما الله جلّ وعلا في تجويز الحليّ الذهبية المصاغة، إذ اعتبروها سلعة وليست نقودًا وأثمانًا.

يقول الشيخ ابن تيمية رحمه ربّ البرية عزّ شأنه:-

(وَيَجُوزُ بَيْعُ الْمَصُوغِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِجِنْسِهِ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ التَّمَاثُلِ، وَيُجْعَلُ الزَّائِدُ فِي مُقَابَلَةِ الصِّيغَةِ لَيْسَ بِرِبًا وَلَا بِجِنْسٍ بِنَفْسِهِ، فَيُبَاعُ خُبْزٌ بِهَرِيسَةٍ وَزَيْتٌ بِزَيْتُونٍ، وَسِمْسِمٌ بِشَيْرَجٍ.

وَالْمَعْمُولُ مِنْ النُّحَاسِ وَالْحَدِيدِ إذَا قُلْنَا يَجْرِي الرِّبَا فِيهِ يَجْرِي فِي مَعْمُولِهِ إذَا كَانَ يُقْصَدُ وَزْنُهُ بَعْدَ الصَّنْعَةِ كَثِيَابِ الْحَرِيرِ وَالْأَسْطَالِ وَنَحْوِهَا وَإِلَّا فَلَا) الفتاوى الكبرى (5/391).

ويقول الشيخ ابن القيم رحمه الله تعالى:-

(الْحِلْيَةَ الْمُبَاحَةَ صَارَتْ بِالصَّنْعَةِ الْمُبَاحَةِ مِنْ جِنْسِ الثِّيَابِ وَالسِّلَعِ، لَا مِنْ جِنْسِ الْأَثْمَانِ، وَلِهَذَا لَمْ تَجِبْ فِيهَا الزَّكَاةُ، فَلَا يَجْرِي الرِّبَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأَثْمَانِ كَمَا لَا يَجْرِي بَيْنَ الْأَثْمَانِ وَبَيْنَ سَائِرِ السِّلَعِ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا، فَإِنَّ هَذِهِ بِالصِّنَاعَةِ قَدْ خَرَجَتْ عَنْ مَقْصُودِ الْأَثْمَانِ، وَأُعِدَّتْ لِلتِّجَارَةِ، فَلَا مَحْذُورَ فِي بَيْعِهَا بِجِنْسِهَا، وَلَا يَدْخُلُهَا: إمَّا أَنْ تَقْضِيَ وَإِمَّا أَنْ تُرْبِيَ، إلَّا كَمَا يَدْخُلُ فِي سَائِرِ السِّلَعِ إذَا بِيعَتْ بِالثَّمَنِ الْمُؤَجَّلِ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا قَدْ يَقَعُ فِيهَا، لَكِنْ لَوْ سَدَّ عَلَى النَّاسِ ذَلِكَ لَسَدَّ عَلَيْهِمْ بَابَ الدَّيْنِ، وَتَضَرَّرُوا بِذَلِكَ غَايَةَ الضَّرَرِ) إعلام الموقعين (2/108).

ورحم الله تعالى القائلين بهذا، لأنّه يسقط الإثم عن كثير من الناس المتعاملين بمثل هذا التعامل، خصوصًا الموظفين الذين يسدّدون أقساطهم من رواتبهم.

لكنّ الأحوط والأورع والأفضل أنْ لا يتعامل النّاس بمثل هذا التعامل ويلتزم بما ذهب إليه جمهور الفقهاء رحمهم الله سبحانه.

والله جلّت حكمته أعلم.

وصلّى الله تعالى وبارك وسلّم على سيّدنا محمّد، وعلى آله وصحبه أجمعين.