2020-10-27
السؤال:
السلام عليكم سيّدي ورحمة الله تعالى وبركاته.
هناك مَنْ ينشر ويقول (أصبت بهذا المرض اللعين) ويقصد به كورونا (عافانا الله عزّ وجلّ جميعًا) أو شفي فلان من هذا المرض اللعين.
فهل يجوز لعن المرض. وجزاكم الله سبحانه بما هو أهله.
 
من: عبد السلام أحمد
 
 
الرد:-
وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته.
أشكرك على تواصلك مع هذا الموقع الكريم، وأدعو لك بالخير والبركة والتوفيق.
نهانا الدين الإسلامي الحنيف بشكل عام عن السبّ واللعن لأنّ ذلك يتنافى مع آداب وخلق الإسلام، فعن سيّدنا أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال:-
(لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاحِشًا، وَلاَ لَعَّانًا، وَلاَ سَبَّابًا) الإمام البخاري رحمه الباري سبحانه.
وقال عليه الصلاة والسلام وآله وصحبه الكرام أيضًا:-
(لَيْسَ المُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلَا اللَّعَّانِ وَلَا الفَاحِشِ وَلَا البَذِيءِ) الإمام الترمذي رحمه المغني تبارك اسمه.
وقال صلوات ربي وسلامه عليه وآله وصحبه:-
(لَا يَكُونُ اللَّعَّانُونَ شُفَعَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ) الإمام مسلم رحمه المنان جلّ جلاله.
وقال أيضًا:-
(لَا يَنْبَغِي لِصِدِّيقٍ أَنْ يَكُونَ لَعَّانًا) الإمام مسلم رحمه الوهاب جلّ في علاه.
وتأكيدًا لهذا الخلق العظيم ورد النهي بشكل خاصّ لبعض الظواهر والأحوال، فليُتَأمّل في ما يلي:-
عن سيّدنا عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما:-
(أَنَّ رَجُلًا لَعَنَ الرِّيحَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: لَا تَلْعَنِ الرِّيحَ فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ، وَإِنَّهُ مَنْ لَعَنَ شَيْئًا لَيْسَ لَهُ بِأَهْلٍ رَجَعَتِ اللَّعْنَةُ عَلَيْهِ) الإمام الترمذي عليه الرحمة والرضوان.
وعن سيّدنا جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما، قال:-
(دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَعْضِ أَهْلِهِ وَهُوَ وَجِعٌ وَبِهِ الْحُمَّى، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَهِيَ أُمُّ مِلْدَمٍ؟ فَقَالَتِ امْرَأَةٌ: نَعَمْ، فَلَعَنَهَا اللهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَلْعَنِيهَا، فَإِنَّهَا تَغْسِلُ – أَوْ تَذْهَبُ – بِذَنُوبِ بَنِي آدَمَ كَمَا يُذْهِبُ الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ) الإمام النسائي رحمه الحق جلّ وعلا.
و(أُمُّ مِلْدَمٍ) كنية الحُمّى، وألدمت عليه الحمَّى: دامت.
وقال الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام وآله وصحبه الكرام:-
(إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا لَعَنَ شَيْئًا صَعِدَتِ اللَّعْنَةُ إِلَى السَّمَاءِ فَتُغْلَقُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ دُونَهَا، ثُمَّ تَهْبِطُ إِلَى الْأَرْضِ فَتُغْلَقُ أَبْوَابُهَا دُونَهَا، ثُمَّ تَأْخُذُ يَمِينًا وَشِمَالًا، فَإِذَا لَمْ تَجِدْ مَسَاغًا رَجَعَتْ إِلَى الَّذِي لُعِنَ، فَإِنْ كَانَ لِذَلِكَ أَهْلًا وَإِلَّا رَجَعَتْ إِلَى قَائِلِهَا) الإمام أبو داود رحمه الودود جلّ في علاه.
عن سَيِّدِنَا أَبي بَرْزَةَ نَضْلَةَ بْنِ عُبَيْدٍ الأَسْلَمِيِّ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ:-
(بَيْنَمَا جَارِيَةٌ عَلَى نَاقَةٍ عَلَيْهَا بَعْضُ مَتَاعِ القَوْمِ. إِذْ بَصُرَتْ بِالنبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَضَايَقَ بِهِمُ الجَبَلُ فَقَالَتْ: حَلْ، اللَّهُمَّ الْعَنْهَا. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تُصَاحِبْنَا نَاقَةٌ عَلَيْهَا لَعْنَةٌ) الإمام مسلم رحمه المنعم جلّ وعلا.
قال الإمام النووي رحمه الله عزّ شأنه:-
(لَا تُصَاحِبُنَا نَاقَةٌ عَلَيْهَا لَعْنَةٌ إِنَّمَا قَالَ هَذَا زَجْرًا لَهَا وَلِغَيْرِهَا وَكَانَ قَدْ سَبَقَ نَهْيُهَا وَنَهْيُ غَيْرِهَا عَنِ اللَّعْنِ فَعُوقِبَتْ بِإِرْسَالِ النَّاقَةِ وَالْمُرَادُ النَّهْيُ عَنْ مُصَاحَبَتِهِ لِتِلْكَ النَّاقَةِ فِي الطَّرِيقِ وَأَمَّا بَيْعُهَا وَذَبْحُهَا وَرُكُوبُهَا فِي غَيْرِ مُصَاحَبَتِهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي كَانَتْ جَائِزَةً قَبْلَ هَذَا فَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى الْجَوَازِ لِأَنَّ الشَّرْعَ إِنَّمَا وَرَدَ بِالنَّهْيِ عَنِ الْمُصَاحَبَةِ فَبَقِيَ الْبَاقِي كَمَا كَانَ) شرح الإمام النووي على صحيح الإمام مسلم رحمهما الله عزّ وجلّ (16/147).
وقال أيضا في الأذكار، والإمام الذهبي في الكبائر رحمهما الله تعالى:-
(لَعنُ جَمِيْعِ الحَيْوَانَاتِ وَالجَمَادَاتِ، كُلُّهُ مَذْمُوْمٌ).
أمّا وصف المرض بأنّه شديد، أو خبيث، أو عسير العلاج، أو ما أشبه ذلك، فلا مانع منه خصوصا لأهل الاختصاص للتمييز بين الأمراض -عافانا وعافاكم الله تعالى-
وعليه لا يجوز لعن وباء كورونا ولا غيره من الأوبئة والأمراض كون هذه الأمراض طُهرة للعبد من الذنوب، أو رفع منزلة، فكلّه بتقدير الله جلّ وعلا.
والله جلّت قدرته أعلم.
وصلّى الله تعالى وسلّم على سيّدنا محمّد، وآله وصحبه أجمعين.