2021-03-25
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته سيّدي أطال الله بالخير في أعماركم — 
التبس عليّ سيّدي حديث ورد في صحيح البخاري رقم 21 باب كفران العشير حديث يرويه ابن عباس قال – قال النبيّ صلى الله علية وسلم:-
(أُرِيتُ النَّارَ فَإِذَا أَكْثَرُ أَهْلِهَا النِّسَاءُ، يَكْفُرْنَ قِيلَ: أَيَكْفُرْنَ بِاللَّهِ؟ قَالَ: يَكْفُرْنَ العَشِيرَ، وَيَكْفُرْنَ الإِحْسَانَ، لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ، ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا، قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ).
السؤال سيّدي هل أنّ كفران العشير أشدّ غلظة من الكفران بالله؟ هذا أولا، والسؤال الثاني سيّدي ورد الحديث رقم 15 تحت باب تفاضل أهل الايمان في الأعمال.. عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال:-
(يدخلُ أهلُ الجنَّةِ الجنةَ، وأهلُ النارِ النارَ، ثُمَّ يقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ: أخرِجوا من كان في قلبِهِ مثقالُ حبَّةِ من خردَلٍ من إيمانٍ، فيخرُجونَ منها قدِ اسوَدُّوا، فيُلْقَونَ في نهرِ الحياةِ، فينبُتونَ كما تنبُتُ الحِبَّةُ في جانِبِ السيلِ، ألم ترَ أنَّها تخرجُ صفراءَ ملتويَةً …..)
السؤال سيّدي هل النساء هنا يدخلن في شفاعة ربّ العزة لأنّهن لا يكفرن بالله؟ — أشكركم جدًّا سيدي
 
من: أبي حنين
 
 
الرد:-
وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته.
أسأله جلّ في علاه أنْ يجزيك خير الجزاء، ويرزقك رضاه، ويجمّلك بتقواه، إنّه سبحانه لا يردّ مَنْ دَعَاه، ولا يخيّب مَنْ رَجَاه، وبعد
كَفَرَ الشَّيْءَ: سَتَرَهُ، غَطَّاهُ، وكَفَرَ اللَّيْلُ الْحُقُولَ: غَطَّاهَا بِظُلْمَتِهِ وَسَوَادِهِ.
ومن هنا قوله عزّ شأنه:-
{— يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [سورة الفتح: 29].
الكفّار: الزرّاع، سمّاهم بذلك لأنّهم إذا ألقوا البذر في الأرض كَفَروه، أي غَطَّوه وستروه.
وقد سُمّي الكافر كافرًا لأنّه ساترٌ للحق بجحوده وأنّى له ذلك؛ قال الله جلّ في علاه:-
{يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [سورة الصف: 8].
وبهذا فكلّ مَنْ ستر شيئًا بمعنى جحده كان كافرًا به، فمَنْ جحد النعمة كان كذلك؛ قال الله عزّ وجلّ:-
{— قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} [سورة النمل: 40].
والحديث الشريف الذي تسأل عنه يؤوّل بهذا.
فالنساء اللواتي يكفرْنَ العشير والإحسان أي يجحدْنَ ذلك فهنّ كافرات بهذا المعنى؛ وقد بيّن ذلك حضرة النبيّ صلّى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلّم بقوله الكريم:-
(قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ)
أي أنّها جحدت إكرام زوجها لها وكَفَرَتْهُ.
وكفرها هذا دون الكفر بالله تعالى.
بل هو جحود بالنعمة وقد يصدر حال الغضب والعصبية والشقاق، وليس هذا تبريرًا له.
فالمؤمنون رجالًا ونساءًا لا يجحدون المعروف مهما تغيّرت الظروف لأنّه من صفات المنافقين نعوذ بالله العلي العظيم؛ قال نبيّنا الكريم عليه وآله وصحبه الصلاة والتسليم:-
(أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيْهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيْهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيْهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا، إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ) الإمام البخاري رحمه الباري جلّ وعلا.
ومعنى (وَإِنْ خَاصَمَ فَجَرَ) أي مال عن الحق وقال الباطل والكذب.
فكفران العشير أمره إلى الله جلّ ذكره إنْ شاء عذَّبَ به، وإنْ شاء عفا عنه برحمته سبحانه، أو بشفاعة الشافعين رضي الله تعالى عنهم وعنكم، لأنّهن مؤمنات بالله ربّ العالمين جلّ جلاله.
والله تبارك اسمه أعلم.
وصلّى الله تعالى على نبيّ الرحمة سيّدنا محمّد، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليمًا كثيرًا حتّى يرضى.