23/10/2021

نصّ السؤال:

بسم الله الرحمن الرحيم.. والصلاة والسلام على رسول الله سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين..

نبارك لكم هذه الحلة الجديدة والتحفة اللطيفة للموقع المبارك ونسأل الحقّ تعالى أنْ يديمه ويجعله منارًا وضياءً للهدى والخير..

سؤالي هو:-

عند السادة الأحناف رضي الله تعالى عنهم النكاح يعتبر من العبادات. فلماذا أجازوا شهادة الكتابي في عقد النكاح عندما يتزوّج المسلم بكتابية؟

وفقكم الله تعالى.

 

الاسم: خضير/ كركوك

 

 

خلاصة الرد:-

جواز شهادة الكتابي في عقد النكاح خاصّ في حالة كون المرأة كتابية، ولا توجد ولاية لغير مسلم على مسلم.

التفصيل:-

وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته.

سُررتُ بتواصلكم مع هذا الموقع الميمون، وشكرًا جزيلًا على تبريكاتكم اللطيفة ودعواتكم المباركة، وأسأله جلّ جلاله لكم التوفيق والسداد إنّه سبحانه رؤوف بالعباد، وبعد:-

فجزى الله جلّ وعلا السادة الأحناف رضي الله تعالى عنهم وعنكم على هذا الفهم الدقيق الجميل إذ وضعوا النكاح ضمن باب العبادات في تصنيفهم لأبواب الفقه الإسلامي، وهذا حقّ فيه تعظيم وتفخيم لهذا المشروع العظيم الذي به تُحفظ الأعراض وتبنى الأُسر ويستمر النسل، وفيه من معاني العبادة الشيء الكثير.

وفي الحقيقة إنّ الزواج عبادة من أجلّ العبادات، فهو سُنّة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من قبل؛ قال جلّ في علاه:-

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ} [سورة الرعد: 38].

والمصطفى صلوات ربي وسلامه عليه وآله وصحبه يقول:-

(النِّكَاحُ من سُنَّتِي فمَنْ لمْ يَعْمَلْ بِسُنَّتِي فَليسَ مِنِّي، وَتَزَوَّجُوا؛ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الأُمَمَ، وَمَنْ كَانَ ذَا طَوْلٍ فَلْيَنْكِحْ) الإمام ابن ماجه رحمه الله عزّ وجلّ.

وقد تواترت الأخبار والآثار في تحريض مَنْ رغب فيه، وتوعّد مَنْ تركه، إذ به يَكُفّ المرء نَفْسَهُ وبصره عن الحرام، ويحصل الوَلَد، وتتسع مساحة الطاعة، وَهَذَا من مَعاني قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام وآله وصحبه الكرام:-

(وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ) الإمام مسلم رحمه المنعم عزّ شأنه.

فكلّ هذه النصوص ومثيلاتها تدلّ على أنّ الزواج من العبادة.

أمّا ما يخصّ جواز شهادة الكتابي في عقد النكاح فهو خاصّ في حالة كون المرأة كتابية، وهو قول الإمام أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله عزّ وجلّ خلافًا للجمهور رضي الله تعالى عنهم وعنكم فالشهادة عندهم فيها معنى الولاية، قال تبارك في علاه:-

{— وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِيْنَ عَلَى المُؤْمِنِيْنَ سَبِيْلًا} [سورة النساء: 141].

ومن الآية الشريفة فَهِمَ الجمهور رحمهم الله تعالى منع ولاية غير المسلم على عقد فيه مسلم.

أمّا الإمامان أبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله جلّ وعلا فالرأي عندهما أنّ الشهادة هي على الزوجة، فلا توجد ولاية لغير مسلم على مسلم، وفي شهادة كتابي على زواج كتابية تنتفي معنى العبادة إذ هما غير مكلفين بالعبادة أصلًا.

وكان ردّ الجمهور باشتراك الزوج في هذه الشهادة، وفيه نوع ولاية غير المسلم على مسلم فمنعوها.

والذي أرجحه هو قول السادة الأحناف رضي الله تعالى عنهم وعنكم للأدلة التي ذكرت من قبل، ولما فيه من وسائل تقريب القلوب بين أصحاب الديانات وفسح المجال للتعارف والتآلف المثمر في مجال الدعوة إلى دين الإسلام.

والله تبارك اسمه أحكم وأعلم.

وصلّى الله تعالى وسلّم وبارك على سيّدنا محمّد، وعلى آله وصحبه أهل المجد والسؤدد.