نص السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته سيّدي حضرة الشيخ سعد الله رضي الله تعالى عنكم ونفع بكم العباد والبلاد بجاه سيّد العُبّاد سيّدنا محمّد صلّى الله عليه وآله وصحبه وسلّم أجمعين.

سؤالي:

شخص استلم قرضًا من أحد المصارف، وأراد بهذا المبلغ المُقترَض أنْ يُشارك شخصًا آخر به بتجارةٍ وفق الضوابط الصحيحة، وهذا الشخص المشارك على علم أنّ المال مأخوذ قرضًا فهل عليه إثمٌ بهذه المشاركة؟

 

الاسم: محمد

 

 

الرد باختصار:-

أسأل الله جلّ في علاه أنْ لا يكون آثمًا إلّا إنَّ تَرْكَ هذه المشاركة أحوط لدِينه.

التفصيل:-

وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته.

أفرحنا مروركم الطيب بهذا الموقع الميمون، وجزاكم المولى جلّ في علاه بدعواتكم خيراً منها، وبعد:-

في البدء ينبغي للمسلم أنْ يختار لنفسه شريكًا عدلًا أمينًا، لتكون تجارتهما مباركة ورابحة بعون الله عزّ وجلّ وتوفيقه، قال سيّدنا رسول الله صلّى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلّم في الحديث القُدسيّ الشريف:

(إِنَّ اللهَ يَقُوْلُ: أَنَا ثَالِثُ الشَرِيْكَيْنِ مَا لَمْ يَخُنْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، فَإِذَا خَانَهُ خَرَجْتُ مِنْ بَيْنِهِمَا) الإمام أبو داود رحمه الغفور الودود.

وإذا كان قصد جنابك الكريم بأنّ صاحبك قد أخذ قرضًا ربويًّا فلا شكّ إنّ الربا خيانة لله سبحانه ولشرعه الحنيف الذي حرّم الربا، قال جلّ وعلا:-

{الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [سورة البقرة: 275].

وإنّ أخذ الربا من أحد الشريكين خيانة وكبيرة تُوجب محق البركة، وإنّ مثل هذا الشريك -إذا كان مصرًّا على فعلته- لا تؤمن خيانته وبغيه خصوصًا في الجوانب المالية، قال الله عزّ شأنه:-

{وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنْ الْخُلَطَاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ} [سورة ص: 24].

ولذا كره الفقهاء مشاركة الكافر ومَنْ لا يتحاشى التعامل بالحرام من المسلمين، فقالوا رضي الله تعالى عنهم وعنكم:-

(تُكْرَهُ الشّركَة مَعَ الكَافِرِ، وَمَنْ لَا يَحْتَرِزُ مِنَ الرِّبَا وَنَحْوِهِ) شرح البهجة للشيخ زكريا الأنصاري رحمه الله تعالى الباري.

وينبغي للشريك أنْ ينصح شريكه بالتوبة إلى الله جلّ جلاله فإنّ التعامل بالربا إقراضًا أو اقتراضًا كبيرة من كبائر الذنوب، وقد جاء في الربا من الوعيد ما لم يأت في غيره من الذنوب، فعن سيّدنا جابر رضي الله تعالى عنه قال:-

(لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا، وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ) الإمام مسلم رحمه الله المنعم.

ومع ما تقدّم فإنّ القرض الربوي -مع حُرمته وشناعته- يفيد المُلك على الصحيح، أي أنّ المقترض بالربا يملك المال الذي اقترضه، فالقرض الربوي يتعلّق بذمّة آخذه، لا بعين ما استهلكت فيه؛ وعليه يصحّ أنْ ينشئ به مشروعًا، مع إثم الربا كما تقدّم.

وعلى هذا تجوز هذه الشراكة مع الكراهة، فتَرْكُهَا بهذا المال مطلقًا أحسن وأحوط، وأبلغ في الإنكار على الشريك، لأنّ في مشاركته إغراءً له بالاقتراض الربوي.

والله سبحانه أحكم وأعلم.

وصلّى الله تعالى وسلّم على سيّدنا محمّد، وآله وصحبه أجمعين.