15/3/2022

نص السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته نفع الله تعالى بكم شيخنا الحبيب وبارك لكم جهدكم في نشر شريعة ربّ العباد تبارك اسمه.

لديّ زميل يعمل في مركز تجاري مقابل أجور أسبوعية بدوام يبدأ العصر وينتهي ليلاً، وهو أثناء العمل عرضت عليه فرصة عمل بأجر مالي أعلى من الأوّل بدوام يتعارض مع العمل الأوّل، عندها باشر العمل الجديد وهو ما زال مرتبطًا بالعمل الأول، بعدها أخبر صاحب العمل الأوّل أنَي باشرت بعمل جديد يتعارض مع عملك علمًا أنّ صاحب العمل الأوّل لم ينقض الاتفاق الذي بينهما قبل العمل، فقد اتفقا على الأجر والوقت ولم يشكو أحدهما من الآخر، فهل هذا التصرّف يتعبر نقضًا للعهد وطمعًا بالمال؟ فكيف ينصح ويرشد هذا الشخص ويحذر من فعلته أم هي فرص يباح استغلالها؟

 

الاسم: ثامر رشيد

 

 

الرد:-

وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته.

أسأله جلّ جلاله أنْ يبارك لك ولجميع المسلمين في طاعاتكم وأوقاتكم وأهليكم ويجعلكم منارات للهدى والتقى إنّه سبحانه سميع مجيب.

الرد باختصار:-

يحقّ للعامل ولصاحب العمل نقض عقد العمل وإنهائه بشرط عدم الإضرار بصاحب العمل أو العامل.

التفصيل:-

ديننا الحنيف سنّ سننًا وشرط شروطًا للعمل والعمّال وربّ العمل، مبيّنًا الحقوق والواجبات المترتبة عليهم.

ولمّا كان الإنسان هو الخليفة في الأرض لإعمارها كما في قول الله سبحانه:-

{وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ} [سورة الأعراف: 10].

كان اهتمام العلماء رضي الله تعالى عنهم وعنكم بشأن العمل كبيرًا ودقيقًا، فذكروا مسائل الأمانة، ومنها:-

عدم إفشاء أسرار العمل، والإخلاص فيه، وإتقانه، والوفاء بالعقود، وبسطوا في مسائل الفقه الإسلامي العقود المختلفة بيعًا وإجارةً ورهنًا وكفالةً ومضاربةً ومشاركةً، مستنبطين من القرآن الكريم وهدي سيّد المرسلين عليه الصلاة والتسليم وآله وصحبه الميامين الأحكام المختلفة كما في قول الله عزّ وجلّ:-

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ —} [سورة المائدة: 1].

وقوله عزّ شأنه على لسان ابنة سيّدنا شعيب عليهما السلام:-

{قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} [سورة القصص: 26].

وقول حضرة النبيّ صلّى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلّم:-

(إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلًا أَنْ يُتْقِنَهُ) الإمام البيهقي رحمه الله جلّ وعلا.

وقوله عليه الصلاة والسلام وآله وصحبه الكرام:-

(الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ، إِلَّا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا أَوْ شَرْطًا أَحَلَّ حَرَامًا) الإمام النسائي رحمه الله جلّ جلاله.

وعلينا أنْ نعي أنّ العامل حرّ وليس عبدًا، والحرّ لا يقيّده عمل، ومن مظاهر حريته فسخ عقد العمل متى شاء.

وعلى العامل وربّ العمل أنْ يلتزم كلّ منهما بعقده، فإنْ أخلّ صاحب العمل بالعقد تركه العامل، وإنْ كان الخلل من العامل لم يستحق الأجر من صاحب العمل.

والأجرة هنا في هذا العقد أسبوعية كما بيّنت، أي أنّه عقد ينتهي كلّ أسبوع ثمّ يتجدّد تلقائيًّا برضاهما، فإنْ فسخ أحدهما عقد الإجارة لم يجبره الآخر.

لكن الأولى أنْ يبيّن العامل لربّ العمل نيّته بفسخ العقد لأجل أنْ يبحث عن أجير غيره، وهذا من أدبيات العمل، حتى لا يتضرر بذلك.

وللعلماء رضي الله تعالى عنهم وعنكم أحكام كثيرة في قول الله جلّ في علاه على لسان سيّدنا شعيب لسيّدنا موسى عليهما السلام:-

{قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} [سورة القصص: 27].

والله تبارك اسمه أعلم.

وصلّى الله تعالى وسلّم على سيّدنا محمّد، وعلى آله وصحبه أجمعين.