7/4/2022

نص السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بارك الله فيكم أريد أنْ أعرف ما حكم صيام آخر ثلاثة أيّام من شهر شعبان وإتباعها رمضان؟

 

الاسم: سائلة

 

 

الرد:-

وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته.

حفظكم سبحانه، وضاعف لكم الحسنات، ورفع لكم الدرجات.

الجواب باختصار:

صيام آخر شعبان يختلف حكمه باعتبارات متعددة.

فقد يكون سنّة مؤكدة: كمَنْ صامه بنيّة التطوع لا بنيّة الاحتياط لشهر رمضان المبارك والشكّ، وقد اعتاد الإكثار من الصوم في هذا الشهر.

وقد يكون مستحبا: كمَنْ صامه بنيّة التطوّع، ولم تكن له عادة في الإكثار منه.

أو مكروها تحريما: كمَنْ يصومه بنيّة الاحتياط لشهر رمضان ودفع الشك.

التفصيل:-

إنَّ كثيرا من الأعمال الشرعية صورتها واحدة ولكن يختلف حكمها باختلاف حال صاحبها ونيّته، ومن هذه المسائل ما ذكرتم في سؤالكم الكريم.

فإنّ الأصل في الصوم أنْ يكون مستحبا سواء كان في شعبان أو في غيره لقوله عليه أزكى الصلاة والسلام وعلى آله وصحبه الكرام:-

(‌مَنْ ‌صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللهِ بَعَّدَ اللهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا) متفق عليه.

وَلَكِنَّ هذا الأصل قد يتغيّر لوجود دليل آخر، فقد يكون حرامًا كالصوم في العيدين.

فعن أبي عُبَيْدٍ مَوْلَى ابْنِ أَزْهَرَ رَحِمَهُ اللهُ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ قَالَ:-

(شَهِدْتُ ‌الْعِيدَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ. فَجَاءَ فَصَلَّى. ثُمَّ انْصَرَفَ فَخَطَبَ النَّاسَ. فَقَالَ: إِنَّ هَذَيْنِ يَوْمَانِ. نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صِيَامِهِمَا: يَوْمُ فِطْرِكُمْ مِنْ صِيَامِكُمْ، وَالْآخَرُ يَوْمٌ تَأْكُلُونَ فِيهِ مِنْ نُسِكِكُمْ) متفق عليه.

والصوم الذي تسألين عنه تكتنفه أحكام كثيرة، وينشرح صدري لهذا التفصيل:-

أوّلا: سنّة مؤكدة: كمَنْ صامه بنيّة التطوع لا بنيّة الاحتياط لشهر رمضان المبارك والشكّ، وقد اعتاد الإكثار من الصوم في هذا الشهر، وذلك جمعًا بين قوله عليه الصلاة والسلام وعلى آله وصحبه الأعلام وبين فعله.

فقد قال حضرة الحبيب عليه أزكى وأعظم صلوات البرّ الرقيب سبحانه:-

(لَا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلَا يَوْمَيْنِ إِلَّا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا، فَلْيَصُمْهُ) الإمام مسلم رحمه المنعم جلّ وعلا.

ففي هذا الحديث الشريف الإذنُ بالصيام لمَنْ كانت له عادة معروفة فوافقت عادته هذه الأيّام، ومع هذا فالقول بالسنيّة المؤكّدة لفعله صلّى الله تعالى عليه وعلى آله وصحبه وسلّم.

فعن السيّدة ‌عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ سُبْحَانَهُ عَنْهَا أنَّها قَالَتْ:-

(لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‌يَصُومُ شَهْرًا أَكْثَرَ مِنْ ‌شَعْبَانَ، فَإِنَّهُ كَانَ ‌يَصُومُ ‌شَعْبَانَ كُلَّهُ) متفق عليه.

فمن هنا يُعْلَمُ دخول الأيّام الأخيرة من شعبان في هذا العموم.

 

ثانيا: مستحب: كمَنْ صامه بنيّة التطوّع، ولم تكن له عادة في الإكثار منه، وذلك بقاء على الأصل في التطوّع به.

قال الإمام ابن عبد البرّ رحمه الله جلّ جلاله:-

(واختلف العلماءُ في صومِ آخرِ يومٍ من شعبانَ ‌تطوُّعًا؛ فأجازَه مالكٌ وأصحابُه، والشافعيُّ وأصحابُه، وأبو حنيفةَ وأصحابُه، وأكثرُ الفقهاء، إذا كان ‌تطوُّعًا ولم يكنْ خوفًا ولا احتياطًا أنْ يكونَ من رمضانَ، ولا يجوزُ عندَهم صومُه على ‌الشَّكِّ) كتاب التمهيد (2/45).

 

ثالثا: مكروهٌ تحريمًا: كمَنْ يصومه بنيّة الاحتياط لشهر رمضان ودفع الشك، وذلك لما سبق من الآثار وكلام أهل العلم رحمهم الله عزّ وجلّ.

ولما ورد عن سيّدنا عمار بن ياسر رضي الله تعالى عنه أنّه قال:-

(مَنْ صَامَ يَوْمَ الشَّكِّ فَقَدْ عَصَى أَبَا القَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) الإمام البخاري رحمه الله جلّ جلاله.

والله تبارك اسمه أعلم.

وصلّى الله تعالى وسلّم على نبيّنا محمّد، سيّد الأمم، وأشرف العرب والعجم، وعلى آله وصحبه أهل العزّ والكرم.